المُسَاعَد(ة) الإجتماعي(ة) القضائية بالمغرب بين الضرورة المجتمعية والإكراهات الواقعية
حوار جريدة "الجسر الجديد"
حوار جريدة "الجسر الجديد"
تتبعا للتحولات المجتمعية التي يعرفها المغرب في مناحي مختلفة للقطع مع الممارسات القديمة وتعزيز الأسس الديمقراطية وتكريس مبادئ حقوق الإنسان الكونية والشمولية، وتفعيلا لمقتضيات الدستور الجديد...، تسلط "جريدة الجسر الجديد" الضوء على مهنة جديدة ومتجددة بالمغرب يعول عليها في الترسيخ اليومي للحقوق الفردية والجماعية؛ ألا وهي مهنة المساعد(ة) الإجتماعي(ة) بقطاع العدل، وهي المهنة التي أصبحت بدورها تستغيث من أجل تحسين أدوارها وتواجدها...
وحتى لا نكون متطفلين على أهل الإختصاص، نورد حوارا مع المساعد الاجتماعي رشيد قدّاري؛ الذي استجاب لدعوتنا مشكورا، وأوضح عدد من الأمور المهمة التي وردت بالحوار التالي:
- ما هو دور المساعد(ة) الاجتماعي(ة) القضائي(ة)؟
يتمحور عمل المساعد الاجتماعي القضائي بشكل عام حول مسألة مرتبطة بالتكفل بالنساء والأطفال لتوفير الوقاية والحماية من مختلف أشكال العنف والقهر الاجتماعي، هذا التكفل تحدد مرجعيته وسنده الأساسي منظومة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا في كونيتها وشموليتها.
وفي تفصيل أكبر لدور المساعد/ة الاجتماعي/ة يجب أن نميز أولا بين عمل المساعد/ة الاجتماعي/ة داخل خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف بكل من النيابة العامة والرئاسة، حيث يرتكز عمله/ا على الاستقبال والاستماع وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي مع تعريف النساء والأطفال الضحايا بكل حقوقهم المكفولة قانونا مع توجيههم وإرشادهم، والعمل على مصاحبتهم لتسهيل ولوج هذه الفئة لمختلف الشعب داخل المحكمة ذات الارتباط بقضاياها. وكذا تتبع مسار التكفل القضائي واطلاعهم على كل المراحل التي تهم قضاياهم ومآلها. هذا بالإضافة إلى التنسيق بشكل خاص مع خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف داخل المصالح الطبية لإعطاء الأولوية لهذه الفئة للاستفادة من الفحوصات الطبية بشكل مجاني والحصول على الشواهد الطبية، مع التنسيق أيضا مع جمعيات المجتمع المدني التي تهتم بقضايا النساء والأطفال، ومع مختلف المتدخلين. كما يقوم المساعدون/ات الاجتماعيون/ات بمهام إدارية مرتبطة بعمل الخلية ولعب دور المقرر في اجتماعات الخلايا المحلية والجهوية والتنسيق فيما بين أعضائها. كما لا يفوتنا الإشارة إلى الأدوار المهمة التي يقوم بها المساعد/ة الاجتماعي/ة في القضايا المتعلقة بالأحداث.
أما فيما يخص المساعدين/ات الاجتماعيين/ات بأقسام قضاء الأسرة يتلخص عملهم أومجال تدخلهم في قضايا الطلاق حيث يناط بهم العمل على إجراء محاولة الصلح بين المرأة والرجل لتفادي حصول طلاق، وكذلك في القضايا المتعلقة بزواج القاصر إذ يقوم المساعد/ة الاجتماعي/ة بانجاز بحوث اجتماعية لتحديد الظروف الاجتماعية والنفسية للقاصر ومدى ملائمة الوضعية الاجتماعية المقبلة على العيش فيها لقدرتها على النجاح في تكوين أسرة مستقرة في المستقبل. بالإضافة إلى تدخل المساعد/ة الاجتماعي/ة ودوره/ا المحوري في طلبات كفالة الأطفال بداية بإعداد وثائق وفتح ملف الكفالة وانجاز تقرير حول الأسرة الكافلة والحضور عند تسليمه وتتبع وضعيته داخل وسطه الأسري والتربوي مع إنجاز تقارير حول ذلك وتمكينها للجهات القضائية المختصة لاتخاذ الإجراءات المناسبة بما فيه مصلحة فضلى للطفل. بالإضافة إلى تدخل المساعد/ة لاجتماعي/ة في طلبات الإذن بالتعدد، هذا زيادة على مهام الاستقبال والتوجيه والإرشاد وتقديم توضيحات وشروحات حول مجموعة من القضايا المتعلقة بأقسام قضاء الأسر.
وبكلمة واحة يلعب المساعدون/ات الاجتماعيون/ات دورا محوريا في القضايا المتعلقة بالعنف ضد النساء والأطفال وقضايا الأحداث وكذا القضايا الأسرية ذات الارتباط بأقسام قضاء الأسرة.
- ما هي الأسباب التي تدعوكم اليوم إلى الاحتجاج؟
هناك مجموعة من الإشكالات التي ظلت ملازمة لهذه المهنة نميز فيها بين ما هو مرتبط بالمساعدين/ات الاجتماعيين/ات وأخرى ذات الصلة بالمهنة بشكل عام:
فيما يخص النقطة الأولى، وكما حددها نداء الحملة الوطنية التي أطلقناها للتعريف بمشاكل هذه المهنة، حيث تم التمييز داخل الفوج الأخير بين المساعدين/ات الاجتماعيين/ات، هذا التمييز مرتبط بمسألة الإطار، إذ نجد نفس ذات المساعدين/ات الاجتماعيين/ات ونفس الشواهد المحصل عليها بإطارين مختلفين (إطار المتصرفين، وإطار المنتدبين القضائيين)، مع العلم أن الجميع يقوم بنفس المهام والإجراءات داخل المكتب الواحد. هذا بالإضافة إلى كون السند القانوني الذي تتحاجج به الوزارة لاغي تماما. في الوقت الذي نعتبره، وهذا هو الواقع، إجراء تعسفي لا نفصله على التوجهات العامة التي ما أصرت الحكومة على تنزيلها، نجملها في الإجهاز على المكاسب التاريخية والحقوق المشروعة للموظفات والموظفين داخل مختلف القطاعات الحكومية. وبالتالي فلا مجال إلا العمل على التصدي لمثل هذه القرارات الاقصائية ودفاعا عن حقوقنا بكل السبل المتاحة.
أما فيما يخص النقط الأخرى فإن ما حاولنا عرضه فوق حول أدوار المساعد/ة الاجتماعي/ة القضائي/ة، وإن كان بشكل موجز، يبقى في شق منه وفي عدد من المحاكم - حتى لا نسقط في التعميم أويشير علينا أحد بكوننا لا ننظر إلا إلى النصف الفارغة من الكأس- قلت يبقى، مجرد كلام نظري لا أساس له على أرض الواقع العملي، حيث نجد أن عددا من المساعدين/ات الاجتماعيين/ات، خصوصا في أقسام قضاء الأسرة، لا يقومون بمهامهم إما بشكل نهائي، حيث هناك من المساعدين/ات الاجتماعيين/ات من يقوموا/ن بمهام كتابة الضبط من مسك السجلات والدخول إلى الجلسات وما إلى ذلك، أوعلى شاكلة المزاوجة بين بعض من مهامهم وأخرى لا تربطهم بها أية صلة. بالإضافة إلى غياب التعويض على مصاريف التنقل خلال إنجاز البحوث الميدانية بشكل مضبوط وواضح ومعمم على كل محاكم المغرب مما يضطر معه المساعدون/ات الاجتماعيون/ات إلى تحمل تلك المصاريف من مالهم الخاص، مع غياب أية حماية قانونية في هذا الباب. زد على ذلك التأخر في إنجاز دليل عملي للمساعَدة الاجتماعية خاص بأقسام قضاء الأسرة على غرار الدليل العملي المعمول به في خلايا التكفل بالنساء والأطفال والذي يحدد ويشرح بتفصيل الآليات العملية للتفعيل الجيد والسليم للمساعدة الاجتماعية، وإن كانت مسألة الدليل لا ترقى إلى مستوى الإلزام إلا أنها تلعب دورا مهما داخل المحاكم للتوجيه ورسم المسارات المثلى للعمل إن صح التعبير.
كما تنتصب أمامنا مشكلة الانتقالات بالنسبة للمساعدين/ات الاجتماعيين/ات بدعوى عدم وجود الخلف، نقول أنه وإن كانت هذه المهنة نوعية وتطرح مشكلة الخلف أمامنا إلا أن ذلك لا يجب أن يتعارض مع حقنا في الانتقالات كما هو مكفول قانونا خصوصا بالنسبة للحالات الاجتماعية الملحة، فعلى سبيل المثال هناك مساعدات اجتماعيات اضطرهم الالتحاق بمقرات العمل إلى الابتعاد عن أزواجهم وأبنائهم الرضع بل أكثر من ذلك اضطرت إحدى الزميلات إلى تقديم استقالتها نهائيا نتيجة لهذه الظروف. من هنا نقول بأن هذه حالات يجب أن تجد لها الوزارة حلا بأي شكل من الأشكال ويتم تغليب الجانب الإنساني حتى وإن كان ذلك يتعارض مع الضوابط القانونية المعمول بها وليس العكس كما هو حاصل مع طلبات الانتقال اليوم. فكيف يمكن لنساء مساعدات اجتماعيات يعانون كل هذا العنف المؤسساتي الرمزي والنفسي أن يقدمن شيئا لنساء وأطفال ضحايا العنف؟
هذا بالإضافة إلى توفير مكاتب وفضاءات مستقلة ومجهزة ملائمة للعمل بالشكل المطلوب تتيح استقبال النساء والأطفال ضحايا العنف أوالقيام بإجراءات الصلح وفق ظروف مريحة لهذه الفئة. مع مطالبتنا بتفعيل التوصيات والمقترحات التي تقدم بها مكتب الدراسات للمساعدة الاجتماعية القضائية، وإلحاحنا على استصدار قانون أساسي ينظم هذه المهنة كحل فعال للمشاكل التي تتخبط فيها هذه المهنة.
- لماذا بقي دور المساعد(ة) الاجتماعي(ة) القضائي(ة) في المغرب جد محصور؟
تجدر الإشارة إلى السياق العام الذي أحدثت فيه هذه المهنة داخل قطاع العدل، لا يتسع المجال هنا للتفصيل في هذا الموضوع، فقط سنكتفي ببعض الإشارات. أنه ومع بداية العقد الأخير وبشكل أدق مع حكومة التناوب التوافقي سيطرح نقاش المرأة بشكل حاد خصوصا بعدما قامت الحكومة بإخراج مشروع أطلق عليه آنذاك "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" خلال مارس 1999 وما أحدثته من ضجة بين من مع ومن ضد، أفرز صراعا على مستوى الشارع تمثل في مسيرتين ضخمتين واحدة بالرباط ضد الخطة وأخرى كرد عليها مع هذه الخطة بالدار البيضاء، توج هذا الصراع في الأخير بإخراج مدونة الأسرة في شكلها الحالي، بالإضافة إلى التعديلات في قانون الجنسية خلال سنة 2005 الذي أقر المساواة بين المرأة والرجل في منح الجنسية، وخلال 2008 رفع المغرب تحفظاته عن بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بالإضافة إلى بعض المشاريع القطاعية كمشروع "تمكين"، و الإستراتيجية الوطنية لمحاربة العنف، زيادة على ذلك انتزعت المجهودات النضالية التي بذلتها الحركة النسائية على مستوى الدفاع والحماية والتوعية والمطالبة بالحقوق ومراكمة مجموعة من المكاسب، كما أفرز ذلك تأسيس العديد من مراكز الاستماع والإرشاد والتوجيه للنساء ضحايا العنف، تجاوز عددها 26 مركزا)شبكة أناروز "Anaruz " على سبيل المثال). في هذا السياق بالضبط سيتم إحداث خلايا التكفل بالنساء والأطفال وتطبيقا لاملاءات المؤسسات المانحة ومحاولة للالتفاف على مطلب الحركة النسائية والحقوقية بشكل عام في توفير الحماية للنساء وإحقاق المساواة الفعلية بين المرأة والرجل.
وبالتالي يكون ما أقدمت عليه وزارة العدل من "إصلاحات" على المستوى التشريعي كان الغرض منها هو إعطاء انطباع ايجابي لهذه المؤسسات، وسد الطريق على مطالب النساء وإلهاء الحركة النسائية وإضعافها. حيث لم ترق هذه الخلايا وفق الشروط المتاحة إلى إنجاز ما هو مطلوب منها، بل أكثر من ذلك - وهذه هي حقيقة الأمر- إن هذه الظروف لا يمكن إلا أن تستمر إذا ما تأملنا الواقع القانوني )ذلك أن مجموع المواد والبنود التي تشير إلى دور المساعدة الاجتماعية القضائية فهي هزيلة جدا وجاءت بصيغة عامة وعرضية، وحتى مسودة القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية ومشروع قانون المسطرة المدنية وما جاء فيها مجتمعة فهو ضعيف جدا ولن تسعفنا الفصول التي أشارت إلى المساعدة الاجتماعية إلى الرقي بهذه المهنة في شكلها الحالي(. بناء على ذلك لا يمكننا إلا أن نقول بشكل جازم بأن وضعية المساعَدة الاجتماعية بمرفق العدالة ستظل مأزومة ومختزلة حتى وإن كانت هناك نية لدى بعض الساهرين على إحداثها في جعلها ترقى إلى مستوى المؤسسة القائمة الذات الواضحة المهام ومجال التدخل، ذلك أنها خاضعة لتجاذبات على مستوى الإدارة المركزية بين من يعمل على الدفع بها وتطويرها، وبين من يعمل على إلغائها، ورأي ثالث وهو الغالب الحفاظ عليها كما هي من خلال توفير الحد الأدنى لضمان استمرار هذه المهنة كما هي في شكلها الحالي لا أكثر ولا أقل. وهذا الوضع يؤدي في نفس الوقت إلى نتيجة أخرى مرتبطة بأطر هذه المهنة، كون معاناتهم ستظل مستمرة داخل المحاكم، وما يؤكد كلامنا هو طبيعة القوانين التي تشير لهذه المهنة وقصورها، وكذا التمييز الذي قامت به الوزارة في الإطار بين المساعدين/ات الاجتماعيين/ات. ذلك كله لا يعدو إلا أن يكون تعبيرا فادحا على إضعاف هاته التجربة وتشتيت قوة ووحدة المساعدين/ات الاجتماعيين/ات ومطالبهم الهادفة إلى تأسيس مهنة ترقى إلى مستوى العمل الاجتماعي بضوابطه العلمية بما فيه خدمة لقضايا النساء والأطفال والأسرة والمجتمع بشكل عام.
من ثم نخلص إلى القول أن أدوار المساعد/ة الإجتماعي/ة جد محصورة كون وزارة العدل والحريات عملت على إدخال المساعدة الإجتماعية لردهات المحاكم دون توفير أرضية مناسبة لممارسة هاته المهنة الإنسانية سواء على المستوى القانوني أوالإداري أوفضاءات العمل...، زد على ذلك غياب استراتيجية واضحة من لدن الوزارة في المستقبل تحدد المهام الموكولة للمساعدين/ات الاجتماعيين/ات دون ترك ذلك لمزاجية وعقلية المسؤولين الإداريين والقضائيين، وهذه الأخيرة نعتبرها نتيجة طبيعية في غياب قوانين ملزمة تحدد مجال تدخل المساعدين/ات الاجتماعيين/ات وأدوارهم/ن. مع غياب تواصل فعال بين الإدارة المركزية والمسؤول الإداري والقضائي فيما يخص هذه المهنة ومتطلباتها. وإذا كان المساعد(ة) الاجتماعي (ة) بخلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف يمارسون مهامهم في حدود معقولة على الأقل إداريا ووفق رؤية الخلية المركزية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف التابعة لمديرية الشؤون الجنائية والعفو، فإن المساعدين/ت الاجتماعيين/ت بأقسام قضاء الأسرة يعانون من عدم وضوح المهام الموكولة لهم في ظل غياب دليل عملي يؤسس لممارسة مهامهم بشكل واضح حتى وإن كانت الزاميته غير واردة إلا أنه يقدم خدمات توجيهية مهمة.
- كيف يتم اختيار المساعد(ة) الإجتماعي(ة) للعمل بقطاع العدل وما هي الشواهد المطلوبة؟
إن انطلاق هذه التجربة تم مع أطر غير متخصصة حيث تم اقتراحهم من طرف المحاكم من بين الموظفات داخل كتابة الضبط وقد خضعن لتكوين حول المساعدة الاجتماعية القضائية، وقد شمل زيارات خارج المغرب لاتخاذ فكرة حول تجارب رائدة والاستفادة منها (التجربة الدانماركية والتجربة الأمريكية). إلى حدود سنة 2010 بعد إلتحاق أول فوج حاصل على شواهد متخصصة في المساعدة الاجتماعية، سواء الإجازة المهنية في المساعدة الاجتماعية المحصل عليا داخل الجامعات المغربية، أودبلوم مسير في الشؤون الاجتماعية الذي يقدمه المعهد الوطني للعمل الاجتماعي بطنجة.
- بالإضافة إلى ما تقدم، ماهي في نظركم آليات تطوير تجربة المساعَدة الاجتماعية القضائية؟
من جهة أولى، نحن اليوم في حاجة إلى طرح مجموعة من الأسئلة التي لا مجال لدينا للتهرب منها أكثر، تصب في اتجاه وضع تقييم لهذه التجربة بعد مضي مرحلة كافية نسبيا إلى الانتقال بها من مستوى التأسيس إلى مستوى النضج، خصوصا وأنه تحقق تراكم متميز في الجانب المتعلق بالموارد البشرية المتخصصة في مجال المساعدة الاجتماعية. بالإضافة إلى التراكم العملي والانتقال إلى مستوى طرح البدائل وهي متاحة، والتي نراها جميعا كفيلة بجعل عجلة المساعدة الاجتماعية القضائية تدور بشكل طبيعي نحو التطور، وليس بشكل ارتدادي أوانتكاسي كما حصل خلال سنة 2013 حيث نكون أمام معادلة غريبة، خط تصاعدي مع بداية التحاق كل فوج جديد ثم انتكاسة في السنة الموالية وهكذا، وهذه أمور لها تفسيراتها، فالواقع العملي عنيد وأكثر إحباطا وهو ما يجعل العديد من الزملاء يتراجعون شيئا فشيئا ولهم مبرراتهم القاهرة والمعقولة، وقد فصلنا في بعضها في متن الإجابة على هذه الأسئلة.
ومن جهة ثانية، ضرورة العمل على انتزاع بعض المكاسب المرتبطة بهذه المهنة على المستوى التشريعي. لدينا اليوم عدد من مشاريع القوانين التي لم يتم الحسم فيها بعد، يجب الضغط في هذا الاتجاه من أجل مراكمة بعض الفصول القانونية ذات الصلة تحدد دور المساعدة الاجتماعية بشكل صريح وواضح وملزم. بالإضافة إلى المطالبة بتفريد قانون أساسي ينظم هذه المهنة. زيادة على حل مشكل الإطار الذي لا مبرر قانوني له والذي يلعب دور الكابح والمعيق لعمل المساعدين/ت الاجتماعيين/ت ووحدتهم حيث سنصبح أمام فئات داخل فئة المساعدين/ات الاجتماعيين/ات.
كما نقولها بشكل جازم أنه من غير الممكن أن نضمن تكفل جيد بالنساء والأطفال ضحايا العنف بالنظر إلى خلايا التكفل داخل المحاكم لوحدها، مما يعني أنه على جميع المتدخلين وخصوصا الشركاء الأساسيين داخل الخلايا المحلية والجهوية تحمل مسؤوليتهم حتى نضمن مسار تكفل جيد. كما أن حل الإشكالات التي أفردنا في تفصيلها فوق كفيل بإعطاء دينامية جديدة لهذه المهنة.
وفي الأخير، يتلخص رهان الحملة الوطنية التي أطلقها المساعدون/ات الاجتماعيون/ات، تحت شعار "إنصاف مهنة المساعدة الاجتماعية القضائية، إنصاف لقضايا النساء والأطفال"، وعيا منا بمسألة أساسية أن رهان إرساء هذه المهنة هو في العمق رهان الحركة النسائية والحقوقية وكل المعنيين بقضايا المرأة والطفل والأسرة وكل الديموقراطيين، وإحقاقها -أي هذه المهنة- بالشكل المطلوب هو انتصار لقضية المرأة في إحقاق المساواة وتوفير الحماية اللازمة خصوصا في القضايا المرتبطة بالعنف بمختلف أشكاله. ومن جهة أخرى فتطوير هاته التجربة سيرقى بها إلى مستوى لعب دور محوري في تطوير العمل الاجتماعي بشكل عام داخل المجتمع، بما هو انتصار للعدالة الاجتماعية والتصدي لمختلف صنوف القهر والظلم والتهميش الاجتماعي.
على هذا الأساس يتمثل هدفنا في تحويل النقاش من مستواه الداخلي والفئوي إلى نقاش عمومي تجسيدا لشعار هذه المبادرة النضالية والإشعاعية، والتي نناشد من خلالها كافة المهتمين بقضايا النساء والأطفال إلى الانخراط فيها ودعم ملفها المطلبي وتطويره في الاتجاه الذي يخدم القضايا الإنسانية النبيلة. كما نناشد في الأخير النقابة الأكثر تمثيلية بالقطاع إلى دعم هذا الملف وبشكل خاص في شقه المرتبط بالمطالب النقابية المحضة.