إسدال الستار عن الملتقى الدولي للتنمية بتازة
ملخص لجل مداخلات وجلسات الملتقى الدولي للتنمية بتازة، والمنظم أيام 8/11 يوليوز2011 تحت شعار "البيئة من الكونية إلى المحلية"
من إنجاز: محمد الطبيب المقرر العام للملتقىملخص لجل مداخلات وجلسات الملتقى الدولي للتنمية بتازة، والمنظم أيام 8/11 يوليوز2011 تحت شعار "البيئة من الكونية إلى المحلية"
برغم أن الصورة القاتمة للوضع البيئي في سبعينات القرن الماضي قد أسهمت في دفع الاتجاه الرئيسي والمعتدل في الحركة البيئية لممارسة الضغط على الحكومات مع توظيف جهد أكبر في مجال الحلول التقنية للمشاكل البيئية، إلا أن الاتجاه الثوري لم يكن مقتنعا بجدوى تلك الحلول التقنية، حيث أعتبر أنصاره أن الأزمة البيئية هي نتيجة لأزمة القيم السائدة "قيم الحداثة" ومن ثم اعتقدوا بأن المفتاح لتحول بيئي اجتماعي يتمثل في إحداث تغير جذري في منظومة القيم السائدة (خاصة التراتبية، والهيمنة، والأداتية) يؤدي إلى بروز نموذج إرشادي مهيمن جديد ينهي ممارسة الهيمنة –على الناس والطبيعة- في العلاقة بين الطبيعة والبشرية ومن ثم بين الإيكولوجيا والمجتمع. ومع أن أنصاره يرون أن الإصلاح التقني في المجتمع الصناعي ضروري إلا أنهم يعتقدون أنه سيكون فاعلا فقط عندما يصاحب بتغير قيمي. وبرغم الاختلافات في وجهات النظر بين أنصار هذا المذهب إلا أنهم يتفقون جميعا على أن المذهب البيئي - وخاصة من خلال خطاب التنمية المستدامة المهيمن عليه حاليا- لا يهتم بالاعتبارات التوزيعية الملحة للأزمة البيئية، وأن التنمية المستدامة تعالج الأعراض بدلا من الأسباب.
ومع ذلك فإن خطاب التنمية المستدامة السائد اليوم يستند بشكل أكبر على المذهب البيئي المعتدل أوالإصلاحي، حيث كان واضحا منذ بداية ثمانينات القرن الماضي أن الجناح المعتدل أوالمذهب البيئي قد كسب بالفعل المعركة على مستقبل السياسة البيئية خصوصا من خلال آلية التنمية المستدامة. فعبر التنمية المستدامة نجحت الحركة الخضراء المعتدلة في وضع القضايا البيئية على الأجندة السياسية في وقت قصير نسبيا وجعلت التنمية المستدامة تصنع في الوقت الحاضر معظم السياسة البيئية المعاصرة. وتعكس هذه السياسة وجهة النظر العامة بأن هناك حاجة لموازنة التنمية الاقتصادية مع مطالب الاستدامة الإيكولوجية والاجتماعية. فالتنمية المستدامة تتطلب أن تأخذ النشاطات الاقتصادية في الاعتبار الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة الناتجة عنها من أجل الجيل الحالي والأجيال القادمة.
قد تكون البيئة جزءا من الماضي ولكن من المؤكد أن الوعي بفن التعامل معها جزء من المستقبل. مما يؤخذ على الأمم المتحدة أن قراراتها قلما تجد طريقها إلى التنفيذ الصحيح. وهذا بوجه خاص على القرارات والاتفاقات التي أبرمت خلال السنوات الثلاثين الماضية حول الأخطار التي تهدد البيئة وضرورة اتخاذ الإجراءات العاجلة للقضاء على هذه الأخطار التي تهدد في آخر الأمر وجود الإنسان نفسه على سطح هذا الكوكب. فعلى الرغم من إدراك الدول والهيئات الدولية لمدى خطورة الوضع ورغم الحماس الشديد الذي كانت تبديه هذه الدول من خلال ممثليها في تلك المؤتمرات العديدة فإن هذا الحماس وذلك الإدراك لم يؤديا حتى الآن إلى ظهور خطط ومشروعات عملية تقضي فعلا على مصادر الخطر وتحدد الخطوات التي يجب الالتزام بها لتحقيق المحافظة على البيئة وإنقاذها من التدهور الحالي الذي تعانيه. وقد يكون ذلك القصور أوالتقصير من جانب الدول ناجما عن تشعب المشكلات البيئية وكثرتها وتنوعها بحيث يصعب التعامل معها كلها مرة واحدة أومعالجتها بفاعلية على أنها تؤلف وحدة متكاملة، كما أن هذه المؤتمرات الدولية والإقليمية الكثيرة حول البيئة كثيرا ما تتم الدعوة إليها وعقدها في معزل بعضها عن بعض دون تنسيق بينها أوالاستفادة من الجهود السابقة ومتابعتها ومواصلة البناء على النتائج التي توصلت إليها فيما عدا استثناءات قليلة مما يدفع البعض إلى المناداة بضرورة وجود منظمة عالمية كبرى تهتم بشئون البيئة ويكون من ضمن صلاحياتها التنسيق بين هذه الجهود لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من تلك المؤتمرات والندوات. وقد يكون ما يعرف باسم برنامج هيئة الأمم للتنمية مؤهلا للاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة التي تشغل بال المهتمين بالأوضاع البيئية الحالية المتدهورة وتأثيرها على مستقبل المجتمع البشري وإن كانت إمكانات هذا البرنامج ضعيفة في الوقت الحالي.
مؤتمرات متعددة لموضوع واحد:
وتهدف هذه المؤتمرات في عمومها إلى التوفيق بين التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي من ناحية، وبين المحافظة على البيئة من الناحية الأخرى وبخاصة المحافظة على الموارد الطبيعية في عالم تزداد فيه أعداد السكان بسرعة رهيبة مع ازدياد الطلب بطبيعة الحال على الطعام والماء والمأوى والخدمات الصحية والطاقة والصرف الصحي والأمن الاقتصادي وما إليها من أمور لها صلة وثيقة بالبيئة. وهذا بوجه خاص على المؤتمرات التي عقدتها خلال الثلاثين سنة الماضية هيئة الأمم اعتبارا من مؤتمر ستوكهولم عام 1972 إلى مؤتمر (قمة الأرض) الذي عقد عام 1992 في ريو دي جانيرو إلى مؤتمر جوهانسبرج الذي عقد عام 2002 ثم أخيرا مؤتمر ميلانو الذي عقد في أوائل ديسمبر من العام الماضي 2003. وقد تكون هناك اختلافات في تفاصيل الموضوعات التي عولجت في هذه المؤتمرات ولكنها كلها تدور في آخر الأمر حول تحديد الأخطار التي تهدد البيئة في العالم وكيف يمكن درء هذه الأخطار والمحافظة على مقومات البيئة لمصلحة الأجيال التالية.
وربما يكون مؤتمر جوهانسبرج عام 2002 أهم هذه المؤتمرات الدولية وإن كانت هناك اختلافات في الرأي حول هذه النقطة. ولكن هذا المؤتمر يتميز بأن حضره ما لا يقل عن خمسة وستين ألف مشارك يمثلون 185 دولة كما حضره أكثر من مائة من رؤساء الحكومات فضلا عن حضور ممثلين لبعض الشركات الكبرى عابرة القارات التي تتهم بأنها تسهم في تلويث البيئة بما تلقيه من مخلفات ونفايات وما ينبعث عنها من غازات تزيد من تفاقم مشكلة الانحباس الحراري الذي يعتبر من العوامل الأساسية التي تهدد فرصة استمرار الحياة على الأرض في المستقبل. وقد تزامن عقد مؤتمر جوهانسبرج مع تعرض جنوب إفريقيا لحالة خطيرة من المجاعة الناشئة إلى حد كبير عن بعض التغيرات المناخية وقلة الأمطار، ولذا كان التساؤل المهم الذي شغل بال الجميع هو: ما الذي يمكن عمله لتخفيف معاناة البشر في المستقبل القريب والبعيد على السواء. وقد قامت أثناء انعقاد المؤتمر تظاهرات سياسية تعبر عن احتجاجات الدول الفقيرة وبعض المنظمات اللاحكومية ضد الدول الصناعية الغنية المسئولة عن تدهور البيئة سواء عن طريق استنزاف الموارد الطبيعية في العالم الثالث أيام الاستعمار أم عن طريق تلويث البيئة نتيجة للغازات والرواسب والنفايات التي تصدر عن المصانع أو حتى التي تنفثها بعض الأجهزة المنزلية مثل أجهزة التكييف والثلاجات وما إليها. وقد اعتبرت جماعات (أصدقاء البيئة) هذه التظاهرات والاحتجاجات اتهاما صريحا لرؤساء الدول الغنية الذين ينادون في العلن بضرورة التمسك بتنفيذ سياسة التنمية المستدامة للارتفاع بمستوى الشعوب الفقيرة وإنقاذ البيئة ولكنهم يعملون في السر والخفاء على عقد صفقات تجارية كثيرا ما تكون على حساب البيئة في تلك المجتمعات الفقيرة ذاتها.
والواقع أن الدول الصناعية الكبرى التي هي المصدر الأول والأكبر لإلحاق الضرر بالبيئة هي نفسها التي تعارض تنفيذ القرارات الدولية الهادفة إلى إنقاذ البيئة والمحافظة عليها من الدمار. وقد ظهر هذا جليا في مؤتمر ميلانو (ديسمبر 2003) عن التغيرات المناخية وتوافر الأدلة القاطعة على مسئولية الإنسان عن ارتفاع حرارة كوكب الأرض بشكل يهدد حياة كثير من أشكال الحياة, بل وانقراض بعض الأنواع الحية إن لم تتخذ الإجراءات السريعة التي تحول دون ذلك، وربما كانت أمريكا مسئولة أكثر من غيرها عن هذه الأوضاع المأساوية بالنسبة للبيئة. وكما تقول جريدة الجارديان البريطانية بتاريخ 4 سبتمبر 2002 إن الكثيرين يحملون إدارة الرئيس بوش مسئولية وضع العقبات أمام الاهتمام المتزايد بالبيئة, وأنه هو شخصيا من أكبر المناوئين للجهود الدولية لإنقاذ البيئة وتنميتها كما هو واضح من رفضه التصديق على اتفاقية كيوتو لعام 1997 لتعارضها مع مصالحه الشخصية ومصالح أمريكا. فقد كانت هذه الاتفاقية توصي بضرورة العمل على الحد من انبعاث غازات الدفيئة بحيث تنخفض عام 2012 بمقدار 8% عمّا كانت عليه عام 1990 ورفضت أمريكا التصديق على الاتفاقية لأن مثل هذه الإجراءات سوف تلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي القومي فضلا عن أنه لم يثبت - بشكل قاطع حتى الآن في رأي الولايات المتحدة - مسئولية الإنسان وحده عن التغيرات المناخية وأن الأمر يتطلب إجراء مزيد من البحوث حول الموضوع. وكان موقف الولايات المتحدة السلبي من اتفاقية كيوتو من العوائق الأساسية التي واجهت مؤتمر ميلانو, ثم ازداد الأمر سوءا حين أعلنت روسيا أيضا موقفها الرافض لنفس تلك الأسباب. القوانين المحلية لا تكفي فمشكلة الحفاظ على البيئة تمثل إذن أحد أكبر وأهم التحديات التي تواجه المجتمع البشري وتستلزم اتخاذ القرارات والإجراءات الحاسمة التي تكفل الإبقاء على المقومات البيئية الإيجابية التي تساعد على استمرار الحياة بأشكالها المختلفة. وقد عمدت بعض الدول بعد مؤتمر ستوكهولم إلى إصدار عدد من القوانين والتشريعات الخاصة بسلامة البيئة داخل حدودها الوطنية مع الاحتفاظ بحق مقاضاة الدول الأخرى التي قد تتسبب في إلحاق الأذى بهذه البيئة المحددة والمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن مثل هذه التعديات، ولكن لايزال الأمر يحتاج إلى صدور قوانين وتشريعات صارمة وصريحة على المستوى العالمي بحيث تكون ملزمة للجميع، وبحيث تطبّق بدقة على جميع الدول بغير تمييز. وقد يكون ذلك صعبًا في الوقت الحالي إزاء الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتمتع بها دول معينة بالذات تستطيع أن تتحدى بما تملك من قوة كل القرارات والقوانين والتشريعات الدولية.
ومع التسليم بأن المتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية التي تتعدى آثارها المدمّرة كل الحدود الجغرافية والسياسية وتعجز قدرات الإنسان وإمكاناته عن التحكم فيها, فإن جانبًا كبيرًا - وقد يكون هو الجانب الأكبر - من مشكلات البيئة هو من صنع الإنسان نفسه الذي يتعامل مع البيئة المحيطة به باستهانة بالغة رغم إدراكه لكل المتاعب والأضرار التي يعانيها من جراء ذلك السلوك. وقد يكون ذلك أكثر وضوحا في مجتمعات العالم الثالث التي تفتقر إلى ما يمكن تسميته بالتربية البيئية التي تقوم على أساس الإدراك والتقدير والوعي بمبادئ وأسس البيئة السليمة الخالية من مظاهر التلوث البيئي بمختلف أشكاله. وهذا لا يعفي بطبيعة الحال الدول الصناعية المتقدمة من مسئولية إلحاق الأذى الفادح بالبيئة على نطاق واسع, كما أنه لا يبرئ ساحتها من تهمة التقصير في توفير المعونة الكافية والضرورية للدول النامية للقضاء على المشكلات البيئية التي تواجهها على الرغم من أن بعض هذه المشكلات مثل الأمراض والأوبئة الناجمة عن الظروف والأوضاع البيئية غير السليمة في المجتمعات الفقيرة والمتخلفة قد تتنقل إلى مجتمعات العالم المتقدم ذاتها. ففي مؤتمر ريو دي جانيرو عام 1992 مثلا الذي أعطى أهمية بالغة لمسألة التنوع الحيوي كانت هناك مناشدة للدول المتقدمة لمضاعفة معوناتها الاقتصادية للدول الأقل تقدما لمساعدتها في تنفيذ وتطوير مشروعاتها للتنمية المستدامة التي تعتبر مشكلة المحافظة على البيئة والارتقاء بها حجر الأساس في تلك المشروعات، ولكن بعد عشر سنوات من ذلك المؤتمر - أي في عام 2002 - تبين أن الدول المتقدمة عمدت إلى تقليص معوناتها للعالم النامي، بل وإلقاء جانب كبير من مسئولية التلوث البيئي على دول ومجتمعات ذلك العالم متناسية في ذلك الأضرار التي تلحقها صناعاتها وتكنولوجياتها بالبيئة العالمية. وفي ذلك تقول جينيفر مورجان مديرة حملة التغير المناخي في مؤسسة "وورد ويلدلايف" الأمريكية إنه مما يثير القلق أنه في الوقت الذي تبدي كثير من الحكومات استعدادها الاضطلاع بالدور الصحيح المطلوب منها تعمد الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأخرى إلى الجدل والتفاوض لعقد اتفاقات غير مجدية لا تتطلب منها أي نوع من التنازلات الحقيقية وأنه في الوقت أيضا الذي تتحمل فيه الولايات المتحدة مسئولية انبعاث 25% من كل غازات الدفيئة الضارة المسببة للاحتباس الحراري, فإنها تطالب الدول النامية بأن تقلل من كمية الغازات المنبعثة من صناعاتها الناشئة, وهي في ذلك تنسى المبدأ البسيط عن أنه لن يمكن الوصول لأي حلول كونية دون مراعاة العدالة الكونية. فليس من شك في أن ارتفاع حرارة كوكب الأرض بسبب انبعاث الغازات الملوثة للجو والاحتباس الحراري سوف يلحق الأذى بالعالم كله وأن معظم اللوم يقع على الغرب وعلى الولايات المتحدة بالذات. وإذا كانت بريطانيا لا تنتج سوى 3% من هذه الغازات، فإنه مقدار يوازي كل ما تنتجه القارة الإفريقية من ملوثات، فما بالك إذن بما تفعله الولايات المتحدة بالمناخ العالمي. ويتوقع خبراء هيئة الأمم أن ترتفع الحرارة الكونية بحوالي ست درجات بنهاية هذا القرن، وذلك وسط أجواء متقلبة قد ينتج عنها ازدياد عنف العواصف والأعاصير المدمرة وارتفاع مستوى البحار واختفاء مساحات من الأرض تحت مياه المحيطات وتعرض مساحات أخرى شاسعة للفيضانات مما يؤدي إلى استحالة زراعتها، بل والإقامة فيها وذلك في الوقت الذي سوف يرتفع فيه عدد سكان العالم إلى ما يزيد على عشرة بلايين نسمة يتعرضون للمجاعات والأوبئة.
ميثاق بيئي عالمي:
وقد ذهب ميكائيل ميتشر الذي كان وزيرا للبيئة في بريطانيا في الفترة من 1997-2003 إلى القول أثناء محاضرة ألقاها في بريستول يوم 25 أكتوبر 2003 إن ما تحرّكه الإنشاءات الهندسية كل عام من التربة يفوق بكثير ما تنقله كل أنهار العالم إلى البحار، وأن الانبعاثات من الصناعة تفوق كل الانبعاثات التي تتصاعد من كل براكين العالم وأنه حتى في أقصى بقاع الأرض تحتوي كثير من أنواع الطعام على قدر كبير من الرصاص والـ د.د.ت. كما أصبحت اعتداءات الإنسان على البيئة مسألة عادية ومألوفة وواضحة للجميع في كل أنحاء العالم. ولذا فإنه بقدوم عام 2050 سوف يتراجع نهر الأمازون -مثلا- تراجعا مخيفا. ويلاحظ ميتشر أنه على الرغم من كل الأخطار التي تحيق بالبيئة الكونية, وتهدد كثيرا من الأنواع الحية بالانقراض, فإنه لا يوجد نظام عالمي لإدارة البيئة , بل إنه ليس هناك ما يدل على أن مثل هذا النظام سوف يرى النور في المستقبل القريب لأن المصالح الاقتصادية الكاسحة ترفض قيام مثل هذا النظام المناوئ, وإن كان هذا لا يمنع من وجود بعض الحركات الرافضة للعولمة تحارب ذلك الاتجاه الضار والمتسلط من الدول الصناعية الكبرى، ولكنها معارضة لاتزال محدودة التأثير في الوقت الراهن. وقيام نظام دولي لإدارة البيئة يتطلب عقد اتفاقات دولية ملزمة من شأنها فرض جزاءات صارمة على حالات الخروج عليها وبخاصة حين يصل الأمر إلى إلحاق أضرار ببيئات المجتمعات الأخرى أو البيئة الكونية ككل. وقد يقتضي ذلك إنشاء محاكم للبيئة تستند إلى وجود ميثاق بيئي عالمي, كما سوف يقتضي تفعيل نشاط برنامج هيئة الأمم لشئون البيئة بحيث تكون لهذه المحاكم صلاحيات النظر في حالات الافتئات البيئي التي تعرضها عليها ليس فقط الحكومات أو الأجهزة الرسمية, بل وأيضا الهيئات والمنظمات غير الحكومية المعنية بشئون البيئة. وقد يساعد ذلك على تجنب كثير من الكوارث التي يلحقها الإنسان بالبيئة نتيجة لسوء التصرف وعدم تقدير العواقب. وهذا يستدعي التساؤل عن مدى مسئولية بعض المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي ومنظمة النقد الدولية ومثيلاتها عن تنمية البيئة سواء على المستويات المحلية أو الإقليمية أو العالمية ودورها في اتخاذ وتنفيذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على الأوضاع البيئية السليمة ومساندة المشروعات التي تهدف إلى تحقيق ذلك بحيث تتجاوز جهود هذه المنظمات الاكتفاء بتقديم القروض أو المعونات المالية المحدودة وتسهم بالفعل في تنفيذ تلك المشروعات ونشر التوعية والثقافة البيئية في مختلف دول العالم وبخاصة دول العالم النامي. ومن المفارقة أن أنشطة بعض هذه المؤسسات والمنظمات في مجال البيئة آخذة في التراجع والانكماش كما هو الشأن - مثلا - بالنسبة لبرامج الوكالة الدولية للإنماء التي تراجعت أنشطتها حسب بعض المصادر منذ عام 1994, بل والأدهى من ذلك أن بعض هذه المنظمات الدولية قد تقدم المساعدات والمعونات لمشروعات قد يكون لها تأثير سلبي على البيئة أو على الأقل لا تأخذ في الاعتبار جانب المحافظة على البيئة كما هو شأن الاستثمار من جانب هذه المنظمات في مجال البترول ومنشآت توليد الطاقة باستخدام الوقود الصلب وغير ذلك من المشروعات التي من شأنها زيادة ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض. التعليم البيئي ضرورة.
وقد تكون المحافظة على البيئة المحلية في أي مجتمع من المجتمعات شأنا من شئون الدولة وأن المحافظة على البيئة الكونية شأن من شئون المنظمات الدولية، ولكن جانبا كبيرا من المسئولية يقع بغير شك على كاهل المجتمع الدولي بأفراده وهيئاته ومؤسساته وتنظيماته غير الرسمية خاصة وأن الأفراد أنفسهم يعتبرون مصدرا من أكبر مصادر الأذى للبيئة، وسببا مباشرا في تدهور الأوضاع البيئية داخل نطاق المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن هنا كان لابد من بذل الجهود المكثفة لتغيير أسباب السلوك والتفكير وتغيير النظرة إلى البيئة، وتعديل طريقة التعامل معها. وليس هذا كله بالأمر السهل، بل إنه يتطلب الدخول في معركة حقيقية تدور ضد العادات السيئة والجهل واللامبالاة وما إليها، وهي كلها أمور يصعب قهرها والتغلب عليها، وقد تحتاج إلى إصدار قرارات سياسية حاسمة للقضاء عليها تتخذ شكل تشريعات خاصة بالمحافظة على البيئة، فالمسألة لها إذن جانب اجتماعي وأخلاقي لا يمكن إغفاله أوالتهوين منه. وربما كان السلاح الأقوى والأكثر فعالية واستمرارا لتحقيق ذلك الهدف هو التعليم ونشر الوعي البيئي رغم ما يتطلبه ذلك من وقت ومجهود.
والواقع أنه في عام 1997 أصدرت اليونسكو بيانًا عن (التعليم البيئي من أجل مستقبل أفضل) وفيه تقرر أنه (أصبح من المتفق عليه أن التعليم هو أكثر الوسائل تأثيرا وفاعلية يمكن للمجتمع عن طريقها أن يواجه تحديات المستقبل وأنه ليس ثمة شك في أن التعليم هو الذي سوف يتولى صياغة وتشكيل عالم الغد). والرأي السائد لدى كثير من المهتمين بمستقبل البيئة هو أننا لا نستطيع إنقاذها من التدهور السريع الذي تعانيه الآن إن لم نتحكم أولا في أنفسنا إما عن طريق التشريع وإما عن طريق التوعية والاقتناع الشخصي والإدراك السليم, وهذا يقتضي إعداد الناس إعدادًا صحيحًا يقوم على التعريف بالمعلومات الأساسية المتعلقة بالبيئة والأخطار التي يمكن أن تلحق بها نتيجة للسلوك البشري غير الرشيد، وإن كان الرأي السائد أيضا في الوقت ذاته هو أنه لا مفر رغم كل المحاولات التي تبذل لتنظيف البيئة من وجود نسبة معينة من التلوث في كل مكان من كوكب الأرض، وأن المهم من الناحية العملية هو أن نعرف متى تصبح درجة التلوث مسألة لا يمكن السكوت عليها رغم صعوبة الوصول إلى مثل هذا التحديد الدقيق. وثمة اتجاهات قوية تدعو إلى توجيه التربية والتعليم بحيث يخدمان البيئة كما تدعو إلى قيام تخصصات جديدة في علم البيئة وذلك على أساس أن إدارة البيئة تحتاج إلى تضافر وتعاون فروع عدة من العلم مثل الجيولوجيا وعلوم التربية والاقتصاد والاجتماع والأنثربولوجيا، بل والفلسفة أيضا لأنها كلها تساعد على فهم مغزى سلوك الإنسان وعادات البشر وبخاصة فيما يتعلق بموقفهم من البيئة الطبيعية التي تحيط بهم. فالإنسان على ما يقول روبر موريسون في مقال له عن (التعليم لاعتبارات إيكولوجية) هو أنجح الكائنات في استعمار الأرض واستخدامها واستغلال مواردها، ولكنه في الوقت ذاته أكثر هذه الكائنات إفسادا للأرض وتلويثًا لها.
وقد دفعت هذه الدعاوى الكثيرين إلى المناداة بضرورة الوصول إلى ما يطلق عليه اسم (أخلاقية الأرض) التي تدعو إلى وجود نظرة جديدة وموقف جديد في أصول التعامل مع البيئة من منطلق الحب والاحترام حتى يمكن المحافظة عليها لأن ذلك يصب في آخر الأمر في مصلحة الإنسان نفسه. وفي عبارة صادقة وعميقة كثيرا ما أستشهد بها في هذا الصدد يقول الأستاذ آلدو ليوبولد وهو من كبار المتخصصين في بحوث الصحراء بأمريكا: (إننا نحقق فكرة أخلاقية المحافظة على الأرض حين ننظر إليها على أنها مجتمع ننتمي إليه وبذلك يمكننا أن نستخدم الأرض بطريقة تنم عن الحب والاحترام. وليس هناك سوى هذه الوسيلة لكي نساعد الأرض على الصمود أمام وطأة الحياة الآلية التي تسم الإنسان الحديث, كما أن هذا هو الطريق الوحيد أمامنا لكي نحصد من الأرض المحصول الجمالي التي هي قادرة على أن تنبته بفضل العلم وتسهم به في الحضارة الإنسانية. إن حب الأرض واحترامها هما امتداد طبيعي للأخلاق الإنسانية). فهل نعي هذا الدرس
مع تنامي اهتمام وسائل الإعلام بالقضايا البيئية أصبح الرأي العام أكثر اهتماما بإيجاد حلول لمشاكل من قبيل انقراض الكائنات الحية، والتغير المناخي، والتلوث والعمل على خلق مجتمع مستدام بيئيا. وقد بدا واضحا لهذه الدراسة أن عملية التحول إلى التنمية المستدامة لحماية المجال الحيوي للأرض تتطلب جهود كل المجتمع الإنساني فهي مطلب مبرمج ويجب أن ينجز من قبل الجميع وبلا استثناء. ولذا لابد من الانطلاق من النتيجة التي خلص إليها تقرير نادي روما، الذي تبنى كتّابه النظرة القائلة أن مشكلة التنمية الحالية هي في حالات عديدة متداخلة وأكدوا فيه أن مشاكل البيئة، والطاقة، والسكان، والتنمية، ومصادر الغذاء، تمثل قضايا متداخلة ضمن إطار المشاكل الكونية، وأن جوهر تلك المشاكل يتمثل في حالة عدم التيقن تجاه مستقبل الإنسانية. ونظرا لأهمية التداخل بين تلك المشاكل، فإنه لا معنى لمواجهة كل عنصر منها منفردا، بل لابد من مواجهة متزامنة لكل تلك المشاكل في إطار إستراتيجية دولية منسقة، وأن نجاح أو فشل أول ثورة كونية يعتمد بشكل حاسم على هذا الأمر. فعلى سبيل المثال لا يمكن إيجاد حل ملائم للأزمة السكانية في العالم إلا إذا تم إيجاد حل ملائم لظاهرة الفقر المتفاقمة، كذلك ستستمر ظاهرة انقراض الكائنات الحية من حيوان ونبات بمعدلات مريعة طالما بقي العالم النامي غارقا في الديون، وفقط عندما يتم وقف تجارة السلاح الدولية يمكن أن يتوفر للعالم الموارد اللازمة لإيقاف التدهور الخطير للمجال الحيوي والحياة الإنسانية. وفي الحقيقة فإنه كلما درسنا وحللنا الموقف كلما زاد إدراكنا في نهاية الأمر بأن المشاكل البيئية المتعددة ليست إلا وجوه مختلفة لأزمة واحدة ووحيدة، هي بالتأكيد، أزمة إدراك تنبع من حقيقة أن معظم الناس وخاصة المؤسسات الاجتماعية الكبيرة في الدول المتقدمة تتبنى مفاهيم (لم تعد ملائمة لمعالجة مشاكل عالم اليوم) نموذج الحداثة الذي هيمن على الثقافة الصناعية الغربية لقرون من الزمن تمكن خلالها من صياغة المجتمع الحديث وأثر بشكل كبير في كل أنحاء العالم من خلال فرضه لعدد من الأفكار والقيم كالنظرة للعالم كنسق أو نظام ميكانيكي مؤلف من عناصر بناء أولية، والنظرة لجسم لإنسان كآلة، والنظرة للحياة في المجتمع كصراع تنافسي من أجل البقاء، والإيمان بالقدرة على تحقيق تقدم مادي غير محدود من خلال النمو الاقتصادي والتقني.
فضلا عن ذلك لا يزال كثير من المفكرين الغربيين ينظرون للتنمية المستدامة بطريقة براغماتية لا على أنها وسيلة لتحقيق توازن استراتيجي بين الطبيعة والمجتمع وإنما كمحاولة لإزالة جزء من التوتر في العلاقة المتداخلة بين الحضارة وبيئتها. وبرغم أن مجرد نضال المجتمع العالمي للانتقال من مرحلة النقاش النظري حول الكارثة البيئية إلى مرحلة وضع خطط عملية نحو إزالة ذلك التوتر يمثل جانبا ايجابيا، إلا أنه يجب في نفس الوقت الاعتراف بأن غياب فهم أو رؤية واضحة حول التوجه العام لحركة الحضارة في المستقبل يمثل جانبا سلبيا من مشروع التنمية المستدامة.
من هذا المنطلق، ترى هذه الدراسة أن العالم بحاجة إلى تنمية مستدامة ومتوازنة تركز مبدأ الوقاية بدلا من العلاج. وهذا يعني أن الاستدامة ليست فقط مسألة بيئية، بل أنها تتعامل مع التغيرات والمشاكل في المجالات الزراعية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، مما دفع بعض المهتمين بهذا الشأن أن يطلقوا على حركة الاستدامة هذه "الثورة البيئية" مقارنة لها بالثورتين الزراعية والصناعية اللتين كان لهما تأثيرا تاريخيا هائلا على الثقافة الإنسانية الكونية.
ولذا فإن الاستدامة هي فلسفة برؤية جديدة للبحث عن بناءات اجتماعية، ونشاطات اقتصادية، وأنماط إنتاجية واستهلاكية، وتقنيات تعمل على استدامة البيئة وتمكين الجيل الحالي وتحسين حياته وضمان حياة ملائمة للأجيال القادمة. ولتحقيق ذلك لا بد من إعادة صياغة النشاطات الحالية أو ابتكار أخرى جديدة ثم العمل على دمجها في البيئة القائمة لخلق تنمية مستدامة على أن تكون مقبولة ثقافيا، وممكنة اقتصاديا، وملائمة بيئيا، وقابلة للتطبيق سياسيا، وعادلة اجتماعيا. ومن ثم فإنه من الملائم البدء مباشرة في تبني عدد من الممارسات الداعمة لاستدامة البيئة ومنها:
-استهلاك الموارد باعتدال وكفاءة ومراعاة الأسعار الأفضل للموارد، والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد، والأطر الزمنية لاستبدال الموارد غير المتجددة بموارد بديلة، والاستخدامات البديلة المحتملة للموارد.
-عدم استهلاك الموارد المتجددة بوتيرة أسرع من قدرتها على التجدد أوبطريقة يمكن أن تؤذي البشر أوالنظم الداعمة للحياة على الأرض وخاصة تلك التي ليس لها بدائل.
-التوسع في مجال الاعتماد على الطاقة النظيفة المتجددة كالطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح.
-استخدام الفضلات التقليدية كموارد قدر الإمكان مع التخلص منها عند الحاجة وبطريقة لا تضر بالبشر ونظم دعم الحياة على الأرض.
-النضال من أجل التخلص من المبيدات السامة والمخصبات الكيميائية وخاصة تلك التي تعتبر ضارة بالبيئة.
-استخلاص منتجات النسق البيئي كما في الزراعة، والصيد، والاحتطاب بدون الإضرار برأس المال الطبيعي.
-تشجيع المرونة والكفاءة في كل من النسقين الإنساني والطبيعي من خلال تفضيل البستنة المتجددة، والمتنوعة، والمعقدة على تلك المتسمة بالتجانس والبساطة.
-تفضيل الفلاحة التعددية (زراعة الأرض بمحاصيل متعددة) على الفلاحة الأحادية (الاكتفاء بزراعة محصول واحد) للإبقاء على خصوبة التربة، فضلا عن تفضيل زراعة النباتات طويلة العمر على السنوية منها في أنساق الإنتاج البيولوجي قدر الإمكان (كالفرت)
-إعادة تأهيل البيئات المتدهورة قدر المستطاع من خلال وسائل التحكم أوبخلق ظروف ملائمة لعمليات إعادة الإصلاح الطبيعي.
-تشجيع ودعم عمليات إعادة تدوير النفايات.
-تبني مبدأ تغريم الملوث من خلال سن تشريعات عقابية على المستويات المحلية والقومية والدولية.
بعد استحضار الهجوم الكاسح للنيوليبرالية والآثار المدمرة التي تخلفها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، والسياسي، والذي يساهم في تخريب وتدمير البيئة مما يهدد تدمير الكون وانقراض العنصر البشري
أهم التوصيات
وبعد الوقوف على التراكم الحاصل في مجال العمل البيئي من طرف الحركات الإجتماعية المغربية، وإدراكا منا لأهمية تنسيق الجهود من أجل خلق بدائل مواطنة للمساهمة في تحسين الأوضاع البيئة والتخفيف من خطورة الكوارت البيئية التي تعرفها المنطقة نسجل ما يلي:
- ضرورة العمل على تنظيم انشطة تشاورية بمشاركة جميع المتدخلين (مؤسسات – قطاعات حكومية – هيئة خبراء- المجتمع المدني-الساكنة )
- تجميع نتائج الأنشطة التشاورية ونشرها على نطاق واسع كأرضية مرجعية خاصة بالماء والبيئة
- خلق بنية تنظيمية قادرة على تدبير المحميات.
- خلق آلية من أجل الترافع والتفعيل الميداني.
- إخراج توصيات الحوار الوطني حول الماء إلى حيز التنفيذ.
- تفعيل دور الإعلام في التوعية والتحسيس من أجل الحفاظ على الموارد المائية.
- تبادل التجارب والخبرات مع المنظمات الدولية في مجال التدبير المائي.
- إدخال زراعة بديلة غير مستنزفة للماء.
- تشجيع الدولة للفلاح الصغير في حصيص الدعم لاعتماد تقنيات الري الحديث المقتصدة للماء.
- الوقوف ضد خوصصة قطاع الماء والعمل على تحقيق الأمن المائي للساكنة
- ضمان خدمات مضمونة وفعالة فيما يخص إمداد و تطهير المياه،
- الوقوف الولوج المالي للخدمات ومشكل ضرب الطاقة الشرائية للمغاربة.
- تشجيع سياحة تضامنية تعمل عل حماية البيئة والوقوف ضد السباقات الميكانيكية والصيد الغير المنظم.
- إلزام الشركات المتعددة الجنسيات بالتعويض لساكنة المناطق المتضررة من استنزاف الثروات المائية
- تعويض وجبر الأضرار الجماعية من طرف الشركات المستغلة والمدمرة للبيئة
- منع استثمار الشركات الملوثة والمدمرة للمياه.
وإذ سجل هذا أعلن عن ما يلي:
-خلق آلية للمتابعة تضم ممثلين وفعاليات الإطارات المشاركة، مفتوح في وجه كل الفعاليات والهيآت يعهد إليها التحضير والتنسيق من اجل تقوية النسيج المدني الذي يشتغل عل موضوعي الماء والبيئة ، مع ضرورة التنسيق مع الحركات الإجتماعية المغربية والمغاربية والعربية والعالمية من اجل " عالم بدون اختلالات بيئية".
-توجيه نداء إلى كافة الإطارات المغربية والمغاربية والمشرقية من أجل الانخراط في هذه المبادرة ودعمها. وتوحيد نضالاتها وتوسيع التضامن لمواجهة كل الإختلالات البيئية بالمنطقة ومواجهة تأثيرات العولمة المتوحشة.
-تضامننا مع كل ضحايا هذه الإختلالات (ساكنة بن صميم، ساكنة البليدة...)
وختاما نعود إلى التأكيد على أنه برغم أن مفهوم التنمية المستدامة قد لقي قبولا واستخداما دوليا واسعا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي إلا أن العالم لم ينجح حتى الآن في تبني خطوات حقيقية جادة على طريق الاستدامة الحقيقية نحو التوفيق بين تلك التناقضات بين التنمية والبيئة الناتجة عن نموذج التنمية المهيمن منذ منتصف القرن العشرين مما يجعل البشرية تواجه مستقبلا محفوفا بالمخاطر وعدم التيقن. ومن هنا، تخلص هذه الدراسة إلى أن التحول نحو الاستدامة المنشودة لا يبدو ممكنا بدون حدوث تغير رئيس وجذري على مستوى النموذج المعرفي السائد بعيدا عن قيم الحداثة، والاستعلاء، والاستغلال المتمركز حول الإنسان باتجاه بلورة نموذج معرفي جديد يتصف بالشمول ولا يتمركز حول الإنسان وينظر للعالم كوحدة كلية مترابطة بدلا من أن يكون مجموعة متناثرة من الأجزاء، ويمكن من خلاله دمج جهود التنمية المستدامة وجهود الحفاظ على البيئة بطريقة مفيدة للطرفين من أجل الصالح العام للجيل الحالي والأجيال القادمة على السواء، وأن يكون ذلك التحول مصحوبا باهتمام بالبناءات السياسية الاجتماعية التي يمكن أن تكون أكثر دعما للاستدامة.
صور من الملتقىومع ذلك فإن خطاب التنمية المستدامة السائد اليوم يستند بشكل أكبر على المذهب البيئي المعتدل أوالإصلاحي، حيث كان واضحا منذ بداية ثمانينات القرن الماضي أن الجناح المعتدل أوالمذهب البيئي قد كسب بالفعل المعركة على مستقبل السياسة البيئية خصوصا من خلال آلية التنمية المستدامة. فعبر التنمية المستدامة نجحت الحركة الخضراء المعتدلة في وضع القضايا البيئية على الأجندة السياسية في وقت قصير نسبيا وجعلت التنمية المستدامة تصنع في الوقت الحاضر معظم السياسة البيئية المعاصرة. وتعكس هذه السياسة وجهة النظر العامة بأن هناك حاجة لموازنة التنمية الاقتصادية مع مطالب الاستدامة الإيكولوجية والاجتماعية. فالتنمية المستدامة تتطلب أن تأخذ النشاطات الاقتصادية في الاعتبار الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة الناتجة عنها من أجل الجيل الحالي والأجيال القادمة.
قد تكون البيئة جزءا من الماضي ولكن من المؤكد أن الوعي بفن التعامل معها جزء من المستقبل. مما يؤخذ على الأمم المتحدة أن قراراتها قلما تجد طريقها إلى التنفيذ الصحيح. وهذا بوجه خاص على القرارات والاتفاقات التي أبرمت خلال السنوات الثلاثين الماضية حول الأخطار التي تهدد البيئة وضرورة اتخاذ الإجراءات العاجلة للقضاء على هذه الأخطار التي تهدد في آخر الأمر وجود الإنسان نفسه على سطح هذا الكوكب. فعلى الرغم من إدراك الدول والهيئات الدولية لمدى خطورة الوضع ورغم الحماس الشديد الذي كانت تبديه هذه الدول من خلال ممثليها في تلك المؤتمرات العديدة فإن هذا الحماس وذلك الإدراك لم يؤديا حتى الآن إلى ظهور خطط ومشروعات عملية تقضي فعلا على مصادر الخطر وتحدد الخطوات التي يجب الالتزام بها لتحقيق المحافظة على البيئة وإنقاذها من التدهور الحالي الذي تعانيه. وقد يكون ذلك القصور أوالتقصير من جانب الدول ناجما عن تشعب المشكلات البيئية وكثرتها وتنوعها بحيث يصعب التعامل معها كلها مرة واحدة أومعالجتها بفاعلية على أنها تؤلف وحدة متكاملة، كما أن هذه المؤتمرات الدولية والإقليمية الكثيرة حول البيئة كثيرا ما تتم الدعوة إليها وعقدها في معزل بعضها عن بعض دون تنسيق بينها أوالاستفادة من الجهود السابقة ومتابعتها ومواصلة البناء على النتائج التي توصلت إليها فيما عدا استثناءات قليلة مما يدفع البعض إلى المناداة بضرورة وجود منظمة عالمية كبرى تهتم بشئون البيئة ويكون من ضمن صلاحياتها التنسيق بين هذه الجهود لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من تلك المؤتمرات والندوات. وقد يكون ما يعرف باسم برنامج هيئة الأمم للتنمية مؤهلا للاضطلاع بهذه المهمة الخطيرة التي تشغل بال المهتمين بالأوضاع البيئية الحالية المتدهورة وتأثيرها على مستقبل المجتمع البشري وإن كانت إمكانات هذا البرنامج ضعيفة في الوقت الحالي.
مؤتمرات متعددة لموضوع واحد:
وتهدف هذه المؤتمرات في عمومها إلى التوفيق بين التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي من ناحية، وبين المحافظة على البيئة من الناحية الأخرى وبخاصة المحافظة على الموارد الطبيعية في عالم تزداد فيه أعداد السكان بسرعة رهيبة مع ازدياد الطلب بطبيعة الحال على الطعام والماء والمأوى والخدمات الصحية والطاقة والصرف الصحي والأمن الاقتصادي وما إليها من أمور لها صلة وثيقة بالبيئة. وهذا بوجه خاص على المؤتمرات التي عقدتها خلال الثلاثين سنة الماضية هيئة الأمم اعتبارا من مؤتمر ستوكهولم عام 1972 إلى مؤتمر (قمة الأرض) الذي عقد عام 1992 في ريو دي جانيرو إلى مؤتمر جوهانسبرج الذي عقد عام 2002 ثم أخيرا مؤتمر ميلانو الذي عقد في أوائل ديسمبر من العام الماضي 2003. وقد تكون هناك اختلافات في تفاصيل الموضوعات التي عولجت في هذه المؤتمرات ولكنها كلها تدور في آخر الأمر حول تحديد الأخطار التي تهدد البيئة في العالم وكيف يمكن درء هذه الأخطار والمحافظة على مقومات البيئة لمصلحة الأجيال التالية.
وربما يكون مؤتمر جوهانسبرج عام 2002 أهم هذه المؤتمرات الدولية وإن كانت هناك اختلافات في الرأي حول هذه النقطة. ولكن هذا المؤتمر يتميز بأن حضره ما لا يقل عن خمسة وستين ألف مشارك يمثلون 185 دولة كما حضره أكثر من مائة من رؤساء الحكومات فضلا عن حضور ممثلين لبعض الشركات الكبرى عابرة القارات التي تتهم بأنها تسهم في تلويث البيئة بما تلقيه من مخلفات ونفايات وما ينبعث عنها من غازات تزيد من تفاقم مشكلة الانحباس الحراري الذي يعتبر من العوامل الأساسية التي تهدد فرصة استمرار الحياة على الأرض في المستقبل. وقد تزامن عقد مؤتمر جوهانسبرج مع تعرض جنوب إفريقيا لحالة خطيرة من المجاعة الناشئة إلى حد كبير عن بعض التغيرات المناخية وقلة الأمطار، ولذا كان التساؤل المهم الذي شغل بال الجميع هو: ما الذي يمكن عمله لتخفيف معاناة البشر في المستقبل القريب والبعيد على السواء. وقد قامت أثناء انعقاد المؤتمر تظاهرات سياسية تعبر عن احتجاجات الدول الفقيرة وبعض المنظمات اللاحكومية ضد الدول الصناعية الغنية المسئولة عن تدهور البيئة سواء عن طريق استنزاف الموارد الطبيعية في العالم الثالث أيام الاستعمار أم عن طريق تلويث البيئة نتيجة للغازات والرواسب والنفايات التي تصدر عن المصانع أو حتى التي تنفثها بعض الأجهزة المنزلية مثل أجهزة التكييف والثلاجات وما إليها. وقد اعتبرت جماعات (أصدقاء البيئة) هذه التظاهرات والاحتجاجات اتهاما صريحا لرؤساء الدول الغنية الذين ينادون في العلن بضرورة التمسك بتنفيذ سياسة التنمية المستدامة للارتفاع بمستوى الشعوب الفقيرة وإنقاذ البيئة ولكنهم يعملون في السر والخفاء على عقد صفقات تجارية كثيرا ما تكون على حساب البيئة في تلك المجتمعات الفقيرة ذاتها.
والواقع أن الدول الصناعية الكبرى التي هي المصدر الأول والأكبر لإلحاق الضرر بالبيئة هي نفسها التي تعارض تنفيذ القرارات الدولية الهادفة إلى إنقاذ البيئة والمحافظة عليها من الدمار. وقد ظهر هذا جليا في مؤتمر ميلانو (ديسمبر 2003) عن التغيرات المناخية وتوافر الأدلة القاطعة على مسئولية الإنسان عن ارتفاع حرارة كوكب الأرض بشكل يهدد حياة كثير من أشكال الحياة, بل وانقراض بعض الأنواع الحية إن لم تتخذ الإجراءات السريعة التي تحول دون ذلك، وربما كانت أمريكا مسئولة أكثر من غيرها عن هذه الأوضاع المأساوية بالنسبة للبيئة. وكما تقول جريدة الجارديان البريطانية بتاريخ 4 سبتمبر 2002 إن الكثيرين يحملون إدارة الرئيس بوش مسئولية وضع العقبات أمام الاهتمام المتزايد بالبيئة, وأنه هو شخصيا من أكبر المناوئين للجهود الدولية لإنقاذ البيئة وتنميتها كما هو واضح من رفضه التصديق على اتفاقية كيوتو لعام 1997 لتعارضها مع مصالحه الشخصية ومصالح أمريكا. فقد كانت هذه الاتفاقية توصي بضرورة العمل على الحد من انبعاث غازات الدفيئة بحيث تنخفض عام 2012 بمقدار 8% عمّا كانت عليه عام 1990 ورفضت أمريكا التصديق على الاتفاقية لأن مثل هذه الإجراءات سوف تلحق الضرر بالاقتصاد الأمريكي القومي فضلا عن أنه لم يثبت - بشكل قاطع حتى الآن في رأي الولايات المتحدة - مسئولية الإنسان وحده عن التغيرات المناخية وأن الأمر يتطلب إجراء مزيد من البحوث حول الموضوع. وكان موقف الولايات المتحدة السلبي من اتفاقية كيوتو من العوائق الأساسية التي واجهت مؤتمر ميلانو, ثم ازداد الأمر سوءا حين أعلنت روسيا أيضا موقفها الرافض لنفس تلك الأسباب. القوانين المحلية لا تكفي فمشكلة الحفاظ على البيئة تمثل إذن أحد أكبر وأهم التحديات التي تواجه المجتمع البشري وتستلزم اتخاذ القرارات والإجراءات الحاسمة التي تكفل الإبقاء على المقومات البيئية الإيجابية التي تساعد على استمرار الحياة بأشكالها المختلفة. وقد عمدت بعض الدول بعد مؤتمر ستوكهولم إلى إصدار عدد من القوانين والتشريعات الخاصة بسلامة البيئة داخل حدودها الوطنية مع الاحتفاظ بحق مقاضاة الدول الأخرى التي قد تتسبب في إلحاق الأذى بهذه البيئة المحددة والمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن مثل هذه التعديات، ولكن لايزال الأمر يحتاج إلى صدور قوانين وتشريعات صارمة وصريحة على المستوى العالمي بحيث تكون ملزمة للجميع، وبحيث تطبّق بدقة على جميع الدول بغير تمييز. وقد يكون ذلك صعبًا في الوقت الحالي إزاء الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتمتع بها دول معينة بالذات تستطيع أن تتحدى بما تملك من قوة كل القرارات والقوانين والتشريعات الدولية.
ومع التسليم بأن المتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية التي تتعدى آثارها المدمّرة كل الحدود الجغرافية والسياسية وتعجز قدرات الإنسان وإمكاناته عن التحكم فيها, فإن جانبًا كبيرًا - وقد يكون هو الجانب الأكبر - من مشكلات البيئة هو من صنع الإنسان نفسه الذي يتعامل مع البيئة المحيطة به باستهانة بالغة رغم إدراكه لكل المتاعب والأضرار التي يعانيها من جراء ذلك السلوك. وقد يكون ذلك أكثر وضوحا في مجتمعات العالم الثالث التي تفتقر إلى ما يمكن تسميته بالتربية البيئية التي تقوم على أساس الإدراك والتقدير والوعي بمبادئ وأسس البيئة السليمة الخالية من مظاهر التلوث البيئي بمختلف أشكاله. وهذا لا يعفي بطبيعة الحال الدول الصناعية المتقدمة من مسئولية إلحاق الأذى الفادح بالبيئة على نطاق واسع, كما أنه لا يبرئ ساحتها من تهمة التقصير في توفير المعونة الكافية والضرورية للدول النامية للقضاء على المشكلات البيئية التي تواجهها على الرغم من أن بعض هذه المشكلات مثل الأمراض والأوبئة الناجمة عن الظروف والأوضاع البيئية غير السليمة في المجتمعات الفقيرة والمتخلفة قد تتنقل إلى مجتمعات العالم المتقدم ذاتها. ففي مؤتمر ريو دي جانيرو عام 1992 مثلا الذي أعطى أهمية بالغة لمسألة التنوع الحيوي كانت هناك مناشدة للدول المتقدمة لمضاعفة معوناتها الاقتصادية للدول الأقل تقدما لمساعدتها في تنفيذ وتطوير مشروعاتها للتنمية المستدامة التي تعتبر مشكلة المحافظة على البيئة والارتقاء بها حجر الأساس في تلك المشروعات، ولكن بعد عشر سنوات من ذلك المؤتمر - أي في عام 2002 - تبين أن الدول المتقدمة عمدت إلى تقليص معوناتها للعالم النامي، بل وإلقاء جانب كبير من مسئولية التلوث البيئي على دول ومجتمعات ذلك العالم متناسية في ذلك الأضرار التي تلحقها صناعاتها وتكنولوجياتها بالبيئة العالمية. وفي ذلك تقول جينيفر مورجان مديرة حملة التغير المناخي في مؤسسة "وورد ويلدلايف" الأمريكية إنه مما يثير القلق أنه في الوقت الذي تبدي كثير من الحكومات استعدادها الاضطلاع بالدور الصحيح المطلوب منها تعمد الولايات المتحدة وبعض الحكومات الأخرى إلى الجدل والتفاوض لعقد اتفاقات غير مجدية لا تتطلب منها أي نوع من التنازلات الحقيقية وأنه في الوقت أيضا الذي تتحمل فيه الولايات المتحدة مسئولية انبعاث 25% من كل غازات الدفيئة الضارة المسببة للاحتباس الحراري, فإنها تطالب الدول النامية بأن تقلل من كمية الغازات المنبعثة من صناعاتها الناشئة, وهي في ذلك تنسى المبدأ البسيط عن أنه لن يمكن الوصول لأي حلول كونية دون مراعاة العدالة الكونية. فليس من شك في أن ارتفاع حرارة كوكب الأرض بسبب انبعاث الغازات الملوثة للجو والاحتباس الحراري سوف يلحق الأذى بالعالم كله وأن معظم اللوم يقع على الغرب وعلى الولايات المتحدة بالذات. وإذا كانت بريطانيا لا تنتج سوى 3% من هذه الغازات، فإنه مقدار يوازي كل ما تنتجه القارة الإفريقية من ملوثات، فما بالك إذن بما تفعله الولايات المتحدة بالمناخ العالمي. ويتوقع خبراء هيئة الأمم أن ترتفع الحرارة الكونية بحوالي ست درجات بنهاية هذا القرن، وذلك وسط أجواء متقلبة قد ينتج عنها ازدياد عنف العواصف والأعاصير المدمرة وارتفاع مستوى البحار واختفاء مساحات من الأرض تحت مياه المحيطات وتعرض مساحات أخرى شاسعة للفيضانات مما يؤدي إلى استحالة زراعتها، بل والإقامة فيها وذلك في الوقت الذي سوف يرتفع فيه عدد سكان العالم إلى ما يزيد على عشرة بلايين نسمة يتعرضون للمجاعات والأوبئة.
ميثاق بيئي عالمي:
وقد ذهب ميكائيل ميتشر الذي كان وزيرا للبيئة في بريطانيا في الفترة من 1997-2003 إلى القول أثناء محاضرة ألقاها في بريستول يوم 25 أكتوبر 2003 إن ما تحرّكه الإنشاءات الهندسية كل عام من التربة يفوق بكثير ما تنقله كل أنهار العالم إلى البحار، وأن الانبعاثات من الصناعة تفوق كل الانبعاثات التي تتصاعد من كل براكين العالم وأنه حتى في أقصى بقاع الأرض تحتوي كثير من أنواع الطعام على قدر كبير من الرصاص والـ د.د.ت. كما أصبحت اعتداءات الإنسان على البيئة مسألة عادية ومألوفة وواضحة للجميع في كل أنحاء العالم. ولذا فإنه بقدوم عام 2050 سوف يتراجع نهر الأمازون -مثلا- تراجعا مخيفا. ويلاحظ ميتشر أنه على الرغم من كل الأخطار التي تحيق بالبيئة الكونية, وتهدد كثيرا من الأنواع الحية بالانقراض, فإنه لا يوجد نظام عالمي لإدارة البيئة , بل إنه ليس هناك ما يدل على أن مثل هذا النظام سوف يرى النور في المستقبل القريب لأن المصالح الاقتصادية الكاسحة ترفض قيام مثل هذا النظام المناوئ, وإن كان هذا لا يمنع من وجود بعض الحركات الرافضة للعولمة تحارب ذلك الاتجاه الضار والمتسلط من الدول الصناعية الكبرى، ولكنها معارضة لاتزال محدودة التأثير في الوقت الراهن. وقيام نظام دولي لإدارة البيئة يتطلب عقد اتفاقات دولية ملزمة من شأنها فرض جزاءات صارمة على حالات الخروج عليها وبخاصة حين يصل الأمر إلى إلحاق أضرار ببيئات المجتمعات الأخرى أو البيئة الكونية ككل. وقد يقتضي ذلك إنشاء محاكم للبيئة تستند إلى وجود ميثاق بيئي عالمي, كما سوف يقتضي تفعيل نشاط برنامج هيئة الأمم لشئون البيئة بحيث تكون لهذه المحاكم صلاحيات النظر في حالات الافتئات البيئي التي تعرضها عليها ليس فقط الحكومات أو الأجهزة الرسمية, بل وأيضا الهيئات والمنظمات غير الحكومية المعنية بشئون البيئة. وقد يساعد ذلك على تجنب كثير من الكوارث التي يلحقها الإنسان بالبيئة نتيجة لسوء التصرف وعدم تقدير العواقب. وهذا يستدعي التساؤل عن مدى مسئولية بعض المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي ومنظمة النقد الدولية ومثيلاتها عن تنمية البيئة سواء على المستويات المحلية أو الإقليمية أو العالمية ودورها في اتخاذ وتنفيذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على الأوضاع البيئية السليمة ومساندة المشروعات التي تهدف إلى تحقيق ذلك بحيث تتجاوز جهود هذه المنظمات الاكتفاء بتقديم القروض أو المعونات المالية المحدودة وتسهم بالفعل في تنفيذ تلك المشروعات ونشر التوعية والثقافة البيئية في مختلف دول العالم وبخاصة دول العالم النامي. ومن المفارقة أن أنشطة بعض هذه المؤسسات والمنظمات في مجال البيئة آخذة في التراجع والانكماش كما هو الشأن - مثلا - بالنسبة لبرامج الوكالة الدولية للإنماء التي تراجعت أنشطتها حسب بعض المصادر منذ عام 1994, بل والأدهى من ذلك أن بعض هذه المنظمات الدولية قد تقدم المساعدات والمعونات لمشروعات قد يكون لها تأثير سلبي على البيئة أو على الأقل لا تأخذ في الاعتبار جانب المحافظة على البيئة كما هو شأن الاستثمار من جانب هذه المنظمات في مجال البترول ومنشآت توليد الطاقة باستخدام الوقود الصلب وغير ذلك من المشروعات التي من شأنها زيادة ارتفاع درجة الحرارة على كوكب الأرض. التعليم البيئي ضرورة.
وقد تكون المحافظة على البيئة المحلية في أي مجتمع من المجتمعات شأنا من شئون الدولة وأن المحافظة على البيئة الكونية شأن من شئون المنظمات الدولية، ولكن جانبا كبيرا من المسئولية يقع بغير شك على كاهل المجتمع الدولي بأفراده وهيئاته ومؤسساته وتنظيماته غير الرسمية خاصة وأن الأفراد أنفسهم يعتبرون مصدرا من أكبر مصادر الأذى للبيئة، وسببا مباشرا في تدهور الأوضاع البيئية داخل نطاق المجتمع الذي يعيشون فيه. ومن هنا كان لابد من بذل الجهود المكثفة لتغيير أسباب السلوك والتفكير وتغيير النظرة إلى البيئة، وتعديل طريقة التعامل معها. وليس هذا كله بالأمر السهل، بل إنه يتطلب الدخول في معركة حقيقية تدور ضد العادات السيئة والجهل واللامبالاة وما إليها، وهي كلها أمور يصعب قهرها والتغلب عليها، وقد تحتاج إلى إصدار قرارات سياسية حاسمة للقضاء عليها تتخذ شكل تشريعات خاصة بالمحافظة على البيئة، فالمسألة لها إذن جانب اجتماعي وأخلاقي لا يمكن إغفاله أوالتهوين منه. وربما كان السلاح الأقوى والأكثر فعالية واستمرارا لتحقيق ذلك الهدف هو التعليم ونشر الوعي البيئي رغم ما يتطلبه ذلك من وقت ومجهود.
والواقع أنه في عام 1997 أصدرت اليونسكو بيانًا عن (التعليم البيئي من أجل مستقبل أفضل) وفيه تقرر أنه (أصبح من المتفق عليه أن التعليم هو أكثر الوسائل تأثيرا وفاعلية يمكن للمجتمع عن طريقها أن يواجه تحديات المستقبل وأنه ليس ثمة شك في أن التعليم هو الذي سوف يتولى صياغة وتشكيل عالم الغد). والرأي السائد لدى كثير من المهتمين بمستقبل البيئة هو أننا لا نستطيع إنقاذها من التدهور السريع الذي تعانيه الآن إن لم نتحكم أولا في أنفسنا إما عن طريق التشريع وإما عن طريق التوعية والاقتناع الشخصي والإدراك السليم, وهذا يقتضي إعداد الناس إعدادًا صحيحًا يقوم على التعريف بالمعلومات الأساسية المتعلقة بالبيئة والأخطار التي يمكن أن تلحق بها نتيجة للسلوك البشري غير الرشيد، وإن كان الرأي السائد أيضا في الوقت ذاته هو أنه لا مفر رغم كل المحاولات التي تبذل لتنظيف البيئة من وجود نسبة معينة من التلوث في كل مكان من كوكب الأرض، وأن المهم من الناحية العملية هو أن نعرف متى تصبح درجة التلوث مسألة لا يمكن السكوت عليها رغم صعوبة الوصول إلى مثل هذا التحديد الدقيق. وثمة اتجاهات قوية تدعو إلى توجيه التربية والتعليم بحيث يخدمان البيئة كما تدعو إلى قيام تخصصات جديدة في علم البيئة وذلك على أساس أن إدارة البيئة تحتاج إلى تضافر وتعاون فروع عدة من العلم مثل الجيولوجيا وعلوم التربية والاقتصاد والاجتماع والأنثربولوجيا، بل والفلسفة أيضا لأنها كلها تساعد على فهم مغزى سلوك الإنسان وعادات البشر وبخاصة فيما يتعلق بموقفهم من البيئة الطبيعية التي تحيط بهم. فالإنسان على ما يقول روبر موريسون في مقال له عن (التعليم لاعتبارات إيكولوجية) هو أنجح الكائنات في استعمار الأرض واستخدامها واستغلال مواردها، ولكنه في الوقت ذاته أكثر هذه الكائنات إفسادا للأرض وتلويثًا لها.
وقد دفعت هذه الدعاوى الكثيرين إلى المناداة بضرورة الوصول إلى ما يطلق عليه اسم (أخلاقية الأرض) التي تدعو إلى وجود نظرة جديدة وموقف جديد في أصول التعامل مع البيئة من منطلق الحب والاحترام حتى يمكن المحافظة عليها لأن ذلك يصب في آخر الأمر في مصلحة الإنسان نفسه. وفي عبارة صادقة وعميقة كثيرا ما أستشهد بها في هذا الصدد يقول الأستاذ آلدو ليوبولد وهو من كبار المتخصصين في بحوث الصحراء بأمريكا: (إننا نحقق فكرة أخلاقية المحافظة على الأرض حين ننظر إليها على أنها مجتمع ننتمي إليه وبذلك يمكننا أن نستخدم الأرض بطريقة تنم عن الحب والاحترام. وليس هناك سوى هذه الوسيلة لكي نساعد الأرض على الصمود أمام وطأة الحياة الآلية التي تسم الإنسان الحديث, كما أن هذا هو الطريق الوحيد أمامنا لكي نحصد من الأرض المحصول الجمالي التي هي قادرة على أن تنبته بفضل العلم وتسهم به في الحضارة الإنسانية. إن حب الأرض واحترامها هما امتداد طبيعي للأخلاق الإنسانية). فهل نعي هذا الدرس
مع تنامي اهتمام وسائل الإعلام بالقضايا البيئية أصبح الرأي العام أكثر اهتماما بإيجاد حلول لمشاكل من قبيل انقراض الكائنات الحية، والتغير المناخي، والتلوث والعمل على خلق مجتمع مستدام بيئيا. وقد بدا واضحا لهذه الدراسة أن عملية التحول إلى التنمية المستدامة لحماية المجال الحيوي للأرض تتطلب جهود كل المجتمع الإنساني فهي مطلب مبرمج ويجب أن ينجز من قبل الجميع وبلا استثناء. ولذا لابد من الانطلاق من النتيجة التي خلص إليها تقرير نادي روما، الذي تبنى كتّابه النظرة القائلة أن مشكلة التنمية الحالية هي في حالات عديدة متداخلة وأكدوا فيه أن مشاكل البيئة، والطاقة، والسكان، والتنمية، ومصادر الغذاء، تمثل قضايا متداخلة ضمن إطار المشاكل الكونية، وأن جوهر تلك المشاكل يتمثل في حالة عدم التيقن تجاه مستقبل الإنسانية. ونظرا لأهمية التداخل بين تلك المشاكل، فإنه لا معنى لمواجهة كل عنصر منها منفردا، بل لابد من مواجهة متزامنة لكل تلك المشاكل في إطار إستراتيجية دولية منسقة، وأن نجاح أو فشل أول ثورة كونية يعتمد بشكل حاسم على هذا الأمر. فعلى سبيل المثال لا يمكن إيجاد حل ملائم للأزمة السكانية في العالم إلا إذا تم إيجاد حل ملائم لظاهرة الفقر المتفاقمة، كذلك ستستمر ظاهرة انقراض الكائنات الحية من حيوان ونبات بمعدلات مريعة طالما بقي العالم النامي غارقا في الديون، وفقط عندما يتم وقف تجارة السلاح الدولية يمكن أن يتوفر للعالم الموارد اللازمة لإيقاف التدهور الخطير للمجال الحيوي والحياة الإنسانية. وفي الحقيقة فإنه كلما درسنا وحللنا الموقف كلما زاد إدراكنا في نهاية الأمر بأن المشاكل البيئية المتعددة ليست إلا وجوه مختلفة لأزمة واحدة ووحيدة، هي بالتأكيد، أزمة إدراك تنبع من حقيقة أن معظم الناس وخاصة المؤسسات الاجتماعية الكبيرة في الدول المتقدمة تتبنى مفاهيم (لم تعد ملائمة لمعالجة مشاكل عالم اليوم) نموذج الحداثة الذي هيمن على الثقافة الصناعية الغربية لقرون من الزمن تمكن خلالها من صياغة المجتمع الحديث وأثر بشكل كبير في كل أنحاء العالم من خلال فرضه لعدد من الأفكار والقيم كالنظرة للعالم كنسق أو نظام ميكانيكي مؤلف من عناصر بناء أولية، والنظرة لجسم لإنسان كآلة، والنظرة للحياة في المجتمع كصراع تنافسي من أجل البقاء، والإيمان بالقدرة على تحقيق تقدم مادي غير محدود من خلال النمو الاقتصادي والتقني.
فضلا عن ذلك لا يزال كثير من المفكرين الغربيين ينظرون للتنمية المستدامة بطريقة براغماتية لا على أنها وسيلة لتحقيق توازن استراتيجي بين الطبيعة والمجتمع وإنما كمحاولة لإزالة جزء من التوتر في العلاقة المتداخلة بين الحضارة وبيئتها. وبرغم أن مجرد نضال المجتمع العالمي للانتقال من مرحلة النقاش النظري حول الكارثة البيئية إلى مرحلة وضع خطط عملية نحو إزالة ذلك التوتر يمثل جانبا ايجابيا، إلا أنه يجب في نفس الوقت الاعتراف بأن غياب فهم أو رؤية واضحة حول التوجه العام لحركة الحضارة في المستقبل يمثل جانبا سلبيا من مشروع التنمية المستدامة.
من هذا المنطلق، ترى هذه الدراسة أن العالم بحاجة إلى تنمية مستدامة ومتوازنة تركز مبدأ الوقاية بدلا من العلاج. وهذا يعني أن الاستدامة ليست فقط مسألة بيئية، بل أنها تتعامل مع التغيرات والمشاكل في المجالات الزراعية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، مما دفع بعض المهتمين بهذا الشأن أن يطلقوا على حركة الاستدامة هذه "الثورة البيئية" مقارنة لها بالثورتين الزراعية والصناعية اللتين كان لهما تأثيرا تاريخيا هائلا على الثقافة الإنسانية الكونية.
ولذا فإن الاستدامة هي فلسفة برؤية جديدة للبحث عن بناءات اجتماعية، ونشاطات اقتصادية، وأنماط إنتاجية واستهلاكية، وتقنيات تعمل على استدامة البيئة وتمكين الجيل الحالي وتحسين حياته وضمان حياة ملائمة للأجيال القادمة. ولتحقيق ذلك لا بد من إعادة صياغة النشاطات الحالية أو ابتكار أخرى جديدة ثم العمل على دمجها في البيئة القائمة لخلق تنمية مستدامة على أن تكون مقبولة ثقافيا، وممكنة اقتصاديا، وملائمة بيئيا، وقابلة للتطبيق سياسيا، وعادلة اجتماعيا. ومن ثم فإنه من الملائم البدء مباشرة في تبني عدد من الممارسات الداعمة لاستدامة البيئة ومنها:
-استهلاك الموارد باعتدال وكفاءة ومراعاة الأسعار الأفضل للموارد، والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد، والأطر الزمنية لاستبدال الموارد غير المتجددة بموارد بديلة، والاستخدامات البديلة المحتملة للموارد.
-عدم استهلاك الموارد المتجددة بوتيرة أسرع من قدرتها على التجدد أوبطريقة يمكن أن تؤذي البشر أوالنظم الداعمة للحياة على الأرض وخاصة تلك التي ليس لها بدائل.
-التوسع في مجال الاعتماد على الطاقة النظيفة المتجددة كالطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح.
-استخدام الفضلات التقليدية كموارد قدر الإمكان مع التخلص منها عند الحاجة وبطريقة لا تضر بالبشر ونظم دعم الحياة على الأرض.
-النضال من أجل التخلص من المبيدات السامة والمخصبات الكيميائية وخاصة تلك التي تعتبر ضارة بالبيئة.
-استخلاص منتجات النسق البيئي كما في الزراعة، والصيد، والاحتطاب بدون الإضرار برأس المال الطبيعي.
-تشجيع المرونة والكفاءة في كل من النسقين الإنساني والطبيعي من خلال تفضيل البستنة المتجددة، والمتنوعة، والمعقدة على تلك المتسمة بالتجانس والبساطة.
-تفضيل الفلاحة التعددية (زراعة الأرض بمحاصيل متعددة) على الفلاحة الأحادية (الاكتفاء بزراعة محصول واحد) للإبقاء على خصوبة التربة، فضلا عن تفضيل زراعة النباتات طويلة العمر على السنوية منها في أنساق الإنتاج البيولوجي قدر الإمكان (كالفرت)
-إعادة تأهيل البيئات المتدهورة قدر المستطاع من خلال وسائل التحكم أوبخلق ظروف ملائمة لعمليات إعادة الإصلاح الطبيعي.
-تشجيع ودعم عمليات إعادة تدوير النفايات.
-تبني مبدأ تغريم الملوث من خلال سن تشريعات عقابية على المستويات المحلية والقومية والدولية.
بعد استحضار الهجوم الكاسح للنيوليبرالية والآثار المدمرة التي تخلفها على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، والسياسي، والذي يساهم في تخريب وتدمير البيئة مما يهدد تدمير الكون وانقراض العنصر البشري
أهم التوصيات
وبعد الوقوف على التراكم الحاصل في مجال العمل البيئي من طرف الحركات الإجتماعية المغربية، وإدراكا منا لأهمية تنسيق الجهود من أجل خلق بدائل مواطنة للمساهمة في تحسين الأوضاع البيئة والتخفيف من خطورة الكوارت البيئية التي تعرفها المنطقة نسجل ما يلي:
- ضرورة العمل على تنظيم انشطة تشاورية بمشاركة جميع المتدخلين (مؤسسات – قطاعات حكومية – هيئة خبراء- المجتمع المدني-الساكنة )
- تجميع نتائج الأنشطة التشاورية ونشرها على نطاق واسع كأرضية مرجعية خاصة بالماء والبيئة
- خلق بنية تنظيمية قادرة على تدبير المحميات.
- خلق آلية من أجل الترافع والتفعيل الميداني.
- إخراج توصيات الحوار الوطني حول الماء إلى حيز التنفيذ.
- تفعيل دور الإعلام في التوعية والتحسيس من أجل الحفاظ على الموارد المائية.
- تبادل التجارب والخبرات مع المنظمات الدولية في مجال التدبير المائي.
- إدخال زراعة بديلة غير مستنزفة للماء.
- تشجيع الدولة للفلاح الصغير في حصيص الدعم لاعتماد تقنيات الري الحديث المقتصدة للماء.
- الوقوف ضد خوصصة قطاع الماء والعمل على تحقيق الأمن المائي للساكنة
- ضمان خدمات مضمونة وفعالة فيما يخص إمداد و تطهير المياه،
- الوقوف الولوج المالي للخدمات ومشكل ضرب الطاقة الشرائية للمغاربة.
- تشجيع سياحة تضامنية تعمل عل حماية البيئة والوقوف ضد السباقات الميكانيكية والصيد الغير المنظم.
- إلزام الشركات المتعددة الجنسيات بالتعويض لساكنة المناطق المتضررة من استنزاف الثروات المائية
- تعويض وجبر الأضرار الجماعية من طرف الشركات المستغلة والمدمرة للبيئة
- منع استثمار الشركات الملوثة والمدمرة للمياه.
وإذ سجل هذا أعلن عن ما يلي:
-خلق آلية للمتابعة تضم ممثلين وفعاليات الإطارات المشاركة، مفتوح في وجه كل الفعاليات والهيآت يعهد إليها التحضير والتنسيق من اجل تقوية النسيج المدني الذي يشتغل عل موضوعي الماء والبيئة ، مع ضرورة التنسيق مع الحركات الإجتماعية المغربية والمغاربية والعربية والعالمية من اجل " عالم بدون اختلالات بيئية".
-توجيه نداء إلى كافة الإطارات المغربية والمغاربية والمشرقية من أجل الانخراط في هذه المبادرة ودعمها. وتوحيد نضالاتها وتوسيع التضامن لمواجهة كل الإختلالات البيئية بالمنطقة ومواجهة تأثيرات العولمة المتوحشة.
-تضامننا مع كل ضحايا هذه الإختلالات (ساكنة بن صميم، ساكنة البليدة...)
وختاما نعود إلى التأكيد على أنه برغم أن مفهوم التنمية المستدامة قد لقي قبولا واستخداما دوليا واسعا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي إلا أن العالم لم ينجح حتى الآن في تبني خطوات حقيقية جادة على طريق الاستدامة الحقيقية نحو التوفيق بين تلك التناقضات بين التنمية والبيئة الناتجة عن نموذج التنمية المهيمن منذ منتصف القرن العشرين مما يجعل البشرية تواجه مستقبلا محفوفا بالمخاطر وعدم التيقن. ومن هنا، تخلص هذه الدراسة إلى أن التحول نحو الاستدامة المنشودة لا يبدو ممكنا بدون حدوث تغير رئيس وجذري على مستوى النموذج المعرفي السائد بعيدا عن قيم الحداثة، والاستعلاء، والاستغلال المتمركز حول الإنسان باتجاه بلورة نموذج معرفي جديد يتصف بالشمول ولا يتمركز حول الإنسان وينظر للعالم كوحدة كلية مترابطة بدلا من أن يكون مجموعة متناثرة من الأجزاء، ويمكن من خلاله دمج جهود التنمية المستدامة وجهود الحفاظ على البيئة بطريقة مفيدة للطرفين من أجل الصالح العام للجيل الحالي والأجيال القادمة على السواء، وأن يكون ذلك التحول مصحوبا باهتمام بالبناءات السياسية الاجتماعية التي يمكن أن تكون أكثر دعما للاستدامة.