مُلَقبَةٌ بالضاد..
(وضعية اللغة العربية في الوطن العربي)
بنعيسى احسينات - المغرب
مُلَقبةٌ بالضاد تَفَردا،
بين لغات الكوْن الأصيلة.
هي لغةُ أهل قريش،
تتحدث بالعربية الفصيحة،
منذ قرون خلت،
في رحاب الجزيرة العربية.
اختيرت من السماء،
لسانا للوحي،
وامتدادا للحنفية.
إنها لغة القرآن والتوحيد،
لغة الرسالة المحمدية.
لغة الضاد اليوم،
تشتكي من وضعيتها الحالية.
من تهميش مخز،
وتحريف نحو اللغات المحلية.
من المصرية،
فاللبنانية،
فالعراقية،
فالفلسطينية.
إلى الحجازية،
فالشامية،
فالمغاربية،
فالخليجية.
أمة لا تكن التقدير للثقافة،
وتقرأ فقط للضرورة.
لم تعد تستمتع حقيقة،
بصفاء الفصاحة اللغوية.
لا في الحديث والحوار،
ولا في الدرس والكتابة.
تُدَرسُ كل المواد في المدارس،
باللغات المحلية.
وحتى العربية،
في تعليمها،
لم تنج من العامية.
بل يُعْتَمَدُ في تبليغها،
على المنهجية العتيقة.
واللغات الأجنبية،
تُدَرسُ أيضا بها،
بالارتجالية..
لغة لم تنل حقها إنصافا،
في المجالات العلمية.
ولم تنل حضها بالأفعال،
في المحادثة السليمة.
لقد وُصفتْ قدحا،
بالسقيمة،
العقيمة،
المتخلفة،
وهي عدلا،
من كل هذه النعوت،
بريئة كل البراءة.
لكن لا تزال محتفظة،
بامتيازات صفاتها العرقية.
سبقت الإسلام،
وتحتويه اليوم،
لتأكيد القومية.
اعتنقها أهل شمال إفريقيا،
برضا جُل الساكنة.
باسم الفتح الإسلامي،
باسم لغة أهل الجنة.
وفُرضَتْ حقا عليهم،
لا كلغة،
بل كانتماء للعروبة.
وتم التهميش والتعنيف قهرا،
للغتهم الأصلية.
واغْتُصبُوا كرها،
في هويتهم الإفريقية الأمزيغية.
والعربية كلغة،
معروفة بالحروف،
وبالرموز المتميزة.
تعبر عن لسان أهلها،
القاطنين بالمنطقة العربية.
نزل القرآن الكريم بها،
لتبليغ الرسالة الإسلامية.
فما تعيشه لغة الضاد من تأخر،
ليس بسببها.
فالعيب ليس فيها،
بل العيب كل العيب في ذويها.
في ناطقيها،
إن لم نقل في مستعملي حروفها.
العيب بالأساس،
في أولي الأمر الحاكمين بها.
في الفقهاء،
في المفكرين،
المدافعون عن تعاليمها.
لا في الشباب،
المحرومون من حرية تجديدها.
فاللغات كالعُمُلات،
تطرد القويةُ الضعيفةَ،
من أجل تهميشها.
نحن لا ننتظر من اللغة،
أن تبيض لنا ذهبا من ذاتها.
ولا ننتظر أن تنتج لنا من نفسها،
فكرا وأدبا كغيرها.
لا ننتظر منها أن تخرجنا،
من تخلف من تلقاء نفسها.
ولا ننتظر منها أن تكون لغة علوم،
خارج إرادة أهلها..
فهي اليوم نتاج تخلف عقلية،
وأمزجة جُل أصحابها.
فمظاهر تخلفها المتنامي،
تتجاوز تعْدَادَ حروفها.
في التركيبة المتناقضة،
لعقلية المدافعين عنها..
من اجتياح المغول والتتار،
وإغراق الكتب بالفرات.
من عصر الانحطاط إلى اليوم،
عبر تراكم النكبات.
من مظاهر تخلفها،
طغيان الأنانية وحب الذات.
وبث الدسائس،
ونشر المقالب بالمئات.
وتفريخ التعصب والتطرف،
وإذكاء نيران النعرات.
عقلية تسيطر عليها الخرافة،
باسم المقدسات.
تؤمن باسم التدين المذهبي،
بهيمنة المسلمات.
بقدرية، تستكين للخمول،
والاتكال بالتوسلات.
عقلية مُسْرفَةٌ،
يتحكم فيها عشق المال بجلاء.
تَصْرفُه على البذخ،
واللهو والجنس،
بكل سخاء.
كأولوية حيوية،
من أجل تحقيق تحسين البقاء..
والحفاظ على مكتسبات الاستهلاك،
بالاستعلاء.
وتأبى أن تصرفه في العلم،
والمعرفة بكل ذكاء.
عقلية ترى في المرأة،
بضاعة ووسيلة للإذلال..
تلُفها بمئزر أسود،
لتَحْجُبَها عن نظرات الأنذال.
دورها حقا،
أن تكون في خدمة سادتها الرجال.
وأن يقضوا فيها،
مآربهم الرديئة،
بكل استعجال.
عقلية أنانية مستبدة،
متسلطة بمكر الارتجال.
عقلية ترفع سيفها ظلما،
في وجه حرية التعبير.
ولا تؤمن بالاختلاف الساطع،
ولا بمنطق التفكير.
تحول دون بلورة فكر خلاق،
الجدير حقا بالتقدير.
عقلية تجمع بين الشيء ونقيضه،
خارج التنظير.
وكل فرد بداخله ضده،
يصارع ذاته بحثا عن التغيير.
خارج روح المسئولية،
يبحث عن الإشباع المثير.
تبقى العربية جَزْما،
لغة غنية بليغة،
جميلة بالأصالة.
لكن جعلوا منها قَصْرا،
حمالةٌ لأوجه وترادفٌ للعبارة.
لم يجعلوها في تفكيرهم حقا،
ناقلة العلم والمعرفة.
وتبقى عبر الزمان،
نفس الطبعة الناقصة المتجمدة.
تتكرر أبدا وباستمرار،
عبر كل العصور الغابرة والآتية..
تستنسخ نماذجَ،
من الأموية،
فالعباسية،
فالفاطمية.
بالأمس،
كان أهلها سباقين للعلم،
بين كل الأقوام.
فلولا سد باب الاجتهاد،
والدفع بالجمود إلى الأمام.
ولولا جشع العرب في الأندلس،
والعراق وبلاد الشام.
لرُفعتْ عاليا، رايةُ العلم والإسلام،
في كل بقاع العالم.
ولَمَا تقدمَ الغربُ اليوم،
وتخلف العرب حَصْرا،
بين الأمم.
ما أشبه الحاضر بالأمس،
لدى كاتمي الحس والأنفاس!
اللوم ليس فقط،
على الماسكين بالسلطة،
في الأساس.
اللوم على أهل الفكر والنظر،
أصحابُ القلم والقرطاس.
فما زلنا نستهلك معارف قديمة،
على أنها بنات الأمس..
تلك كانت حالة الماضي،
وهي حالة اليوم ،
ببصمة النحس.
من شر الأمور،
أن نحمل اللغة،
خطيئة أهلها بالجملة..
ولا يكفي اعتبارها قدرا،
لغة القرآن ولغة أهل الجنة.
لتكبيل الإرادة،
حتى لا ترقى،
إلى مصاف اللغات الحية..
ربطوها بالسماء،
وقطعوا صلتها بالبسيطة،
بالصيرورة.
إذ ليس للعرب اليوم،
ما يقدمونه حقا،
من علم ومعرفة.
حتى تَفْخَرَ وتتباهَى،
وتعْتَز به لغة الضاد،
بكل أنفة..
لقد حنطوها،
في المعلقات العشر،
وقيم الجاهلية.
اختزلوها في الكسب والغزل،
والفخر بشرف القبيلة.
حصروها دينا،
في القرآن والحديث،
والفقه والشريعة.
لقد ورطوها كلغة،
في السباب والتهكم،
وفنون البكاء.
وتفننوا في إبداع لغة منحطة،
لنشر الفواحش النكراء.
في أوصاف ما ظهرَ وما خفيَ،
عند الجواري والنساء(1).
لا ننسى اعترافا،
مساهمة الأدباء،
والفلاسفة والعلماء.
رفعوا من شأن وهمة لغة الضاد،
عبر العصور بكل نقاء.
نتباهى بماض مجيد،
نتغنى به،
في كل صباح ومساء.
فعصر الأنوار وراءنا،
نحيا على استحضاره طوال البقاء.
لقد كنا في القديم،
وسيطا نشيطا،
في نقل المعرفة.
من اليونانية إلى العربية،
من الأندلس،
إلى الدول الغربية.
اسألوا ابن رشد،
عن شروحه للفلسفة الأرسطية.
وحينما آلت الأندلسُ إلى العرب،
بفعل حد السلاح.
انشغلوا في السمر،
بالأنغام والرقص،
وليالي الملاح.
انشغلوا في الخلافات الطائفية،
وفي قراع الأقداح.
كم هو مخز،
أن تبقى أبدا،
حبيس ماض بين الأنام.
وتتغنى به مستسلما،
كأنه لا يتغير على الدوام..
والحاضر المر،
شاهد على التخلف،
مع مرور الأيام..
تفتقت قريحة العرب الفذة،
على اختراع رقم الصفر.
وكان لهم السبق في الخَلْق،
وتخلفوا عن إتمام الأمْر..
استفاد منه الآخرون،
وحققوا تقدما،
ونصرا تلو النصْر.
أصبح الصفر اليوم،
مرتبتهم المتميزة في هذا العصْر..
بل توج البعض به هاماتهم،
متباهين بالأصل الأصيل.
فتحولوا إلى أمراء وسلاطين،
ينعمون بصفة التبجيل.
بفضل نعمة الذهب الأسود،
والغاز الطبيعي المُسال.
لقد أهينت اللغة العربية من أهلها،
بالحجة والدليل.
بسبب عقمهم وتخلفهم،
بسبب استبدادهم،
وتَخَليهم عن التفكير البديل.
ذنبها أنها وقعت في أَيْد،
مَنْ أساء إليها بفعل التجهيل.
لا من طبيعتها،
لا من تراكيبها،
لا من قدسيتها،
بل من ذويها في كل الأحوال.
-----------------------------------------------------------------
1- ما كتبه الحاكم الأموي هشام بن عبد الملك إلى عامله على إفريقية آنذاك : "أما بعد، فإنّ أمير المؤمنين لما رأى ما كان يبعث به موسى بن نصير إلى الملك بن مروان رحمه الله تعالى، أراد مثله منك، وعندك من الجواري البربريات المالئات للأعين الآخذات للقلوب ما هو معوز لنا بالشام وما والاه. فتلطف في الانتقاء، وتوخ أنيق الجمال، وعظم الأكفال، وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل، وسبوطة العصب، وجدالة الأسؤق، وجثول الفروع، ونجالة الأعين، وسهولة الخدود، وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخامة الكلام" .